كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

بِحَال حِين توقف الْحَرَكَة أَن تخرج لَك منظومة شعرية وَلَا حِكْمَة نثرية وَلَا خطْبَة وَلَا حَتَّى جملَة مفيدة، بل لَا يخرج إِلَّا تشويش وكلمات لَيْسَ لَهَا معنى، هَذَا شَيْء ظَاهر فِي أَمر يسير، فَمَا بالك بِهَذَا الْكَوْن البديع والخلق العجيب، لَا شكّ أَن فِي كل ذَلِك دَلِيلا وَاضحا على بطلَان دعاوى أُولَئِكَ الضلال وَمن أَخذ بأقوالهم، وهم فِي الْحَقِيقَة يكذبُون على أنفسهم وَإِلَّا فوجوب وجود الْخَالِق تبَارك وَتَعَالَى من أوضح الواضحات.
وَقد أَقَامَ الله عز وَجل الْحجَّة فِي ذَلِك بِآيَة مكونة من كَلِمَات مَعْدُودَة وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} الطّور (35-36) .
فَإِن كَونهم خلقُوا من غير شيئ مَرْدُود بداهة، وأوضح مِنْهُ فِي الْبطلَان أَن يَكُونُوا هم الْخَالِقِينَ، وَأظْهر مِنْهُ بطلاناً أَن يَكُونُوا خلقُوا السَّمَاوَات وَالْأَرْض، فَإِذا كَانَ الْإِنْسَان وَهُوَ أقدر الْمَخْلُوقَات على الأَرْض، وَأَكْرمهَا بِمَا أعطَاهُ الله من قدرَة وَإِرَادَة وعقل وَسمع وبصر وَمَا إِلَى ذَلِك من الصِّفَات والخلق العجيب، لم يخلق من غير شَيْء فَإِن تركيبه دَال على حَاجته إِلَى صانع، وَهُوَ كَذَلِك لم يخلق نَفسه لِأَنَّهُ خرج من بطن أمه لَا يعلم شَيْئا، بل أُخرج من بطن أمه رغماً عَنهُ فَكيف يكون خلق نَفسه؟؟
وَهُوَ كَذَلِك لم يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَلم يبْق إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ خَالِقًا أوجد ذَلِك كُله، وَهَذَا الْخَالِق لَا بُد أَن يكون لَهُ من صِفَات الْكَمَال والجلال مَا يُمكن أَن يَتَأَتَّى مِنْهُ إِيجَاد هَذَا الْكَوْن، وَهَذَا بديهة من البدهيات، فَإِن من رأى طائرة أَو حاسباً آلياً أَو غير ذَلِك من المصنوعات الحديثة العجيبة فَإِنَّهُ يسْتَدلّ بهَا على عَظمَة صانعها وَأَن لَدَيْهِ إمكانيات مَالِيَّة وآلات ومواد دقيقة، وقدرات مُتعَدِّدَة، فَكَذَلِك وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى هَذَا الْكَوْن دَلِيل على كَمَال وعظمة وجلال موجده وخالقه.

الصفحة 209