كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

فَإِذا كَانَ ادِّعَاء أَن الله هُوَ الْمَسِيح، وادعاء الْوَلَد لَهُ بِهَذِهِ الشناعة والقباحة والاعتداء وَالظُّلم فَلَا شكّ أَن ادِّعَاء أَن الله هُوَ هَذَا الْكَوْن بِكُل مَا فِيهِ من طيب وخبيث أَشد ظلما وبغياً وقباحةً، وَلَا يعدو أَن يكون قَول سَفِيه أملاه عَلَيْهِ الشَّيْطَان وصور لَهُ هَذِه المقولة وَالدَّعْوَى وزينها لَهُ حَتَّى نطق بذلك الْإِفْك الْمُبين.
2- إِن هَذَا القَوْل يلْزم مِنْهُ أَن الله تبَارك وَتَعَالَى يزِيد بِزِيَادَة الْمَخْلُوقَات كَمَا يلْزم مِنْهُ فِي نفس الْوَقْت أَنه ينقص ويفنى بِنَقص الْمَخْلُوقَات وفنائها.
3- يلْزم من هَذَا القَوْل أَن الله تبَارك وَتَعَالَى يَمُوت وَيحرق ويغرق ويتألم ويتأذى ويهان سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ويصيبه كل مَا يُصِيب الْمَخْلُوقَات عزيزها وذليلها.
4- أَن هَذَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون الْمَخْلُوق خَالِقًا لنَفسِهِ موجداً لَهَا، وَهَذَا شَيْء يعلم كل إِنْسَان من نَفسه بُطْلَانه، فَهُوَ كَمَا سبق أَن ذكرنَا خرج من بطن أمه لَا يعلم شَيْئا، بل إِنَّه خُلِق وأُوجِدَ بِغَيْر إِرَادَة مِنْهُ وَاخْتِيَار، وَإِذا كَانَ هَذَا حَال الْإِنْسَان وَهُوَ ذُو الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة وَالْقُوَّة فَغَيره من الْمَخْلُوقَات من بَاب أولى.
5- أَن هَذَا القَوْل يلْزم مِنْهُ أَن كل مَخْلُوق صَغِير أَو كَبِير، حقير أَو جليل إِلَه وَرب، وَجَمِيع الْعُقَلَاء يدركون بطلَان ذَلِك من أنفسهم ببداهة الْعُقُول، إِلَّا أَن يكون من سُفَهَاء بني آدم وطغاتهم مثل فِرْعَوْن وَأَضْرَابه، وَلَا شكّ أَن تصور هَذَا القَوْل دَال على بُطْلَانه ومغن عَن الرَّد عَلَيْهِ.

الصفحة 212