كتاب تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة (اسم الجزء: 1)

.. قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} 1 ... المراد المقارنة بالفعل، وهي الصلاة جماعة؛ لأن الأمر بالصلاة قد تقدم، فلا بد من فائدة أُخرى. وتخصيص الركوع؛ لأن بإدراكه تدرك الصلاة، فمن أدرك الركعة أدرك السجدة2.
[قوله تعالى] : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} 3 والأماني: التلاوة المجردة4 أي: إلاَّ تلاوة من غير فهم معناه. وليس هذا كالمؤمن الذي فهم ما فهم من القرآن فعمل به، واشتبه عليه بعضه، فوكل علمه إلى الله، كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه" 5 فامتثل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم6.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 7 أي: صلاتكم إلى بيت المقدس8
__________
1 سورة البقرة، الآية: 43.
2 التنبيه على مشكلات الهداية، ص (220) تحقيق عبد الحكيم. وانظر المحرر الوجيز (1/ 203) ، والجامع لأحكام القرآن (1/ 348، 349) ففيهما ما ذكر المؤلف من الاحتجاج بالآية على الصلاة جماعة.
3 سورة البقرة، الآية:78.
4 شرح العقيدة الطحاوية، ص (504) . وهذا أحد الأقوال، التي قيلت في معنى ((أماني)) . انظر هذا القول وغيره في تفسير القرآن لأبي الليث (1/131) ، وتفسير القرآن للسمعاني (1/99) ، ومعالم التنزيل (1/88) ، والمحرر الوجيز (1/271) .
5 هذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/181) ، والبخاري في خلق أفعال العباد، ص (43) ، والبغوي في شرح السنة (1/260) كلهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وحكم محققا شرح السنة بأن إسناده حسن. انظر شرح السنة الموضع المتقدم.
6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (785، 786) .
7 سورة البقرة، الآية: 143.
8 يشهد لهذا القول بالصحة ما أخرجه الإمام الترمذي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما وُجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. سنن الترمذي الحديث رقم (2964) وقد أخرجه غيره من الأئمة، وكلهم أخرجوه من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس. وإن كان في رواية سماك عن عكرمة شيء، فهناك شواهد للحديث، لا ينزل بمجموعها عن درجة الحسن. وقد قال الإمام ابن القيم: "وفيه قولان يعني في معنى {إِيمَانُكُمْ} أحدهما: ما كان ليضيع صلاتكم إلى بيت المقدس … والثاني: ما كان ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى، وتصديقكم بأن الله شرعها ورضيها. وأكثر السلف والخلف على القول الأول، وهو مستلزم للقول الآخر". بدائع التفسير (1/342) .

الصفحة 31