كتاب حكم تكرار الجماعة في المسجد

الكلمة، وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام الجماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة، فإذا قضيت دخلوا فجمعوا، فيكون في هذا اختلاف، وتفرق كلمة وفيهما المكروه، وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن، فأما مسجد بُني على ظهر الطريق، أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب، ولا يكون له إمام معلوم ويصلى فيه المارة ويستظلون، فلا أكره ذلك فيه، لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة …".
وقال الإمام ابن عبد البر - بعد أن ذكر قول الإمام مالك وغيره ممن منع تكرار الجماعة - قال: "هذه المسألة لا أصل لها إلا إنكار جمع أهل الزيغ والبدع، وألا يتركوا وإظهار نحلتهم، وأن تكون كلمة السنة والجماعة هي الظاهرة لأن أهل البدع كانوا يرتقبون صلاة الإمام ثم يأتون بعده، فيجمعون لأنفسهم بإمامهم، فرأى أهل العلم أن يمنعوا من ذلك وجعلو الباب بابا واحداً، فمنعوا منه الكل، والأصل ما وصفت لك".1
وقال الإمام ابن العربي في قوله تعالى: {وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} 2: "يعني أنهم كانوا جماعة واحدة في مسجد واحد، فأرادوا أن يفرّقوا شملهم في الطاعة وينفردوا عنهم للكفر والمعصية، وهذا يدلّك على أن المقصد الأكثر والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب… ولهذا المعنى تفطّن مالك - رضي الله عنه - حين قال: إنه لا تُصلى جماعتان في مسجد واحد لا بإمامين ولا بإمام واحد…حيث كان ذلك تشتيتاً للكلمة وإبطالاً لهذه الحِكمة …"3.
__________
1 الاستذكار 4/64، 65.
2 سورة التوبة آية (107) .
3 أحكام القرآن 2/582 وانظر أيضاً تفسير القرطبي 8/257

الصفحة 324