كتاب حكم تكرار الجماعة في المسجد

وقال الباجي: "… ولو جاز الجمع في مسجد مرتين لكان ذلك داعية إلى الافتراق والاختلاف ولكان أهل البدع يفارقون الجماعة بإمامهم ويتأخرون من جماعتهم ثم يُقدّمون منهم، ولو جاز مثل هذا لفعلوا مثل ذلك بالإمام الذي تؤدى إليه الطاعة فيؤدي ذلك إلى إظهار منابذة الأئمة ومخالفتهم ومفارقة الجماعة فوجب [أن يغلق] عليهم هذا الباب.
ووجه آخر: أنه لو وسع في مثل هذا الأمر لأدى إلى أن لا تُراعى أوقات الصلاة، ولأخّر من شاء وصلى بعد ذلك في جماعة. وقصْر الناس على إمام واحد داع إلى مراعاة صلاته والمبادرة إلى إدراك الصلاة معه". 1
يظهر من هذا أن المنع من تكرار الجماعة حيث كان ذلك تشتيتاً للكلمة وتفريقاً للجماعة وتمزيقاً للوحدة، أي ما كان على سبيل التداعي والاجتماع. أما إذا لم يكن على هذا الوجه بأن حصل ذلك لنفرٍ قليل تأخروا عن الجماعة لعذر - دون قصد الاختلاف والافتراق عن جماعة المسلمين أو مخالفة الأئمة ومنابذتهم - فإن تكرار الجماعة في مثل هذه الحالة لا يُكره. وقد نصّ على ذلك القائلون بالمنع، وهذا الشافعي يقول: ".. فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة.. واحسب كراهية من كره ذلك منهم أنما كان لتفرق الكلمة"2.
وقال أبو يوسف: "إنما يُكره إذا كانت الجماعة الثانية كثيرة3، فأما إذا كانوا ثلاثة أو أربعة فقاموا في زاوية من زوايا المسجد وصلوا بجماعة لا يُكره"
__________
1 المنتقى 1/137.
2 الأم 1/278.
3 وحمل الكاساني حديث أبي سعيد المتقدم على هذا حيث قال: "لأنه أمر واحداً - يعني في قوله: أيكم يتجر على هذا - وذا لا يُكره وإنما المكروه ما كان على سبيل التداعي والاجتماع" البدائع 1/419.

الصفحة 325