كتاب حكم تكرار الجماعة في المسجد

وقال القاضي: "يُكره لئلا يفضي إلى اختلاف القلوب…"، وقال ابن حزم: "… وأما نحن فإن من تأخر عن صلاة الجماعة لغير عذر لكن قلة اهتبال أو لهوى أو لعداوة مع الإمام فإننا ننهاه…".1
نخلص من هذا إلى أن الفريقين يكادان يتفقان على مشروعية تكرار الجماعة إذا لم يكن التكرار على سبيل التداعي والاختلاف والافتراق ومنابذة الأئمة وشقاً لعصا المسلمين.
وأما إذا اتُّخذ التكرار ذريعة ووسيلة لتفريق الجماعة وتشتيت الكلمة وتمزيق الوحدة من قبل أهل الأهواء الزائغة والفرق المبتدعة أو كان يُفضي إليه - ولو غالباً - لم يكن مشروعاً، بل كان ممنوعاً، لأن ما يؤدي إلى الممنوع فهو ممنوع، والنظر في المآلات معتبر عند أهل العلم. قال الإمام الشاطبي: 2
"النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، [فقد يكون] مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك. فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب
__________
1 المحلى 4/237.
2 الموافقات 5/177، 178.

الصفحة 327