كتاب حكم تكرار الجماعة في المسجد

المذاق، محمود الغب 1 جار على مقاصد الشريعة".
ثم أخذ رحمه الله يستدل على صحة ذلك بأمور، منها: أن استقراء الشريعة وأدلتها يدل على اعتبار المآلات، وذكر أمثلة تفصيلية كامتناعه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين، فقد قال - حين أشير عليه بقتل من ظهر نفاقه -: "لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه" 2 فينفروا من الدخول في الإسلام. ثم قال الشاطبي: "… يكون العمل في الأصل مشروعاً، لكن يُنهى عنه لما يؤول إليه من المفسدة…".
قلت: وهذا ينطبق على مسألتنا هذه، فإن الجماعة في الأصل مشروعة لحِكم، منها: مضاعفة الثواب وعموم البركة، والتواصل والتوادد، ولأجل معرفة أحوال بعضهم ببعض فيقوموا بعيادة المرضى وتشييع الموتى وإغاثة الملهوفين، وليحصل بينهم التعاون والائتلاف ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ". 3
إذاً: فالجماعة موضوعة لهذه المعاني العظيمة والحِكم الجليلة، وهي وسيلة إلى الخير والوحدة والاتفاق، ولكن لو اتخذ من تكرار الجماعة وسيلة وذريعة إلى مفسدة الاختلاف والافتراق أو كان يفضي إليها لم تكن مشروعة.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - 4: "الفعل أو القول المفضي إلى المفسدة قسمان…والثاني: أن تكون (الأفعال أو الأقوال) موضوعة للإفضاء إلى أمر جائز أو مستحب، فيتخذ وسيلة إلى المحرم إما بقصده أو بغير قصد منه…كمن
__________
1 أي: العاقبة.
2 رواه البخاري، كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية 6/546 وفي التفسير، باب قوله: (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) 8/ 648.
3 رواه أبو داود 1/432 وأحمد 4/122 والحاكم 1/583 وأبو عوانة 2/41،42.
4 إعلام الموقعين 3/136.

الصفحة 328