كتاب حكم تكرار الجماعة في المسجد

يُصلي تطوعاً بغير سبب في أوقات النهي، أو يسبّ أرباب المشركين بين أظهرهم …" ثم دلّل على المنع بوجوه، فقال:1 "الوجه الثامن والثلاثون: أن الشارع أمر بالاجتماع على إمام واحد في الإمامة الكبرى، وفي الجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الخوف، مع كون صلاة الخوف بإمامين أقرب إلى حصول صلاة الأمن، وذلك سداً لذريعة التفريق والاختلاف والتنازع، وطلباً لاجتماع القلوب وتآلف الكلمة، وهذا من أعظم مقاصد الشرع، وقد سد الذريعة إلى ما يناقضه بكل طريق، حتى في تسوية الصف في الصلاة، لئلا تختلف القلوب، وشواهد ذلك أكثر من أن تذكر".
قلت: ومن أجل هذا منع جماعة من أهل العلم من تعدد الجمعة في بلد واحد - إذا لم تدع الحاجة إلى التعدد - بأن كان المسجد الكبير كافياً لهم، فلا يجوز في مسجدين إذا حصل الغنى بالمسجد الواحد، قال ابن قدامة: 2 "لا نعلم في هذا مخالفاً إلا أن عطاء قيل له: "إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر" فقال: "لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزي ذلك عنهم" قال ابن جرير: "فأنكر الناس ذلك أن يجمعوا إلا في المسجد الأكبر" 3 كل ذلك حرصاً على توحيد كلمة المسلمين وردعاً لأهل الأهواء الزائغة الذين يعتزلون المسجد الكبير ويبنون لأنفسهم مساجد أخرى ضراراً وتفريقاً للكلمة وشقاً لعصا المسلمين ليبطلوا المعنى الروحي من هذا الاجتماع العظيم 4، وسداً لذريعة التوصل بما
__________
1 المرجع السابق 3/145.
2 المغني 3/213.
3 رواه عبد الرزاق في المصنف 3/170.
4 انظر (الاعتصام بالواحد الأحد من إقامة جمعتين في بلد) للإمام تقي الدين السبكي (منشور ضمن فتاويه) .

الصفحة 329