كتاب تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة (اسم الجزء: 1)

والخبر، فقال الله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} 1 فجعل ذلك منهم شهادة، وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة، ولم يؤدوها عند غيرهم. وأما مرتبة الإعلام والإخبار، فنوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالفعل، وهذا شأن كل مُعْلم لغيره بأمرٍ، تارةً يعلمه به بقوله، وتارةً بفعله؛ ولهذا كان من جعل داره مسجداً، وفتح بابها، وأفرزها بطريقها، وأذن للناس بالدخول والصلاة فيها، معلماً أنها وقف، وإن لم يتلفظ به … وكذلك شهادة الرب عز وجل وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارةً، وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، وأما بيانه وإعلامه بفعله، فكما قال ابن كيسان2: شهد الله بتدبيره العجيب، وأموره المحكمة عند خلقه، أنه لا إله إلا هو3. وقال آخر4:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} 5 فهذه شهادة منهم على أنفسهم
__________
1 سورة الزخرف، الآية: 19.
2 لعله: محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي، له تصانيف في القراءات والغريب والنحو (ت: 299 ?) . انظر العبر (1/437) .
3 أورده ابن الجوزي في زاد المسير (1/362) منسوباً إليه. وباختصار شديد ذكره أبو حيان في البحر (2/419) منسوباً إليه، وابن القيم في مدارج السالكين (3/473) .
4 هو أبو العتاهية. انظر أبا العتاهية أشعاره وأخباره، ص (104) ، والأغاني (4/35) ، والبحر المحيط (2/419) .
5 سورة التوبة، الآية: 17.

الصفحة 50