كتاب تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة (اسم الجزء: 1)

من مصلحة خروجهم، فاقتضت الحكمة والرحمة أن أقعدهم عنه1.
… قال تعالى: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2 الخلاق: النصيب، قال تعالى: {وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 3، أي استمتعتم بنصيبكم من الدنيا، كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم4، {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} ، أي: كالخوض الذي خاضوه، أو كالفوج، أو الصنف، أو الجيل الذي خاضوا5. وجمع سبحانه بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض؛ لأن فساد الدين إمَّا في العمل، وإمَّا في الاعتقاد، فالأول من جهة الشهوات. والثاني من جهة الشبهات6.
وروى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتأخُذَنَّ أمتي مآخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع" قالوا: فارس والروم؟ قال: "فمن الناس إلا أولئك" 7.
__________
1 شرح العقيدة الطحاوية، ص (333، 334) ، ويظهر أن المؤلف اطلع على كلام ابن القيم في هذا. انظر بدائع التفسير (2/357) .
2 سورة التوبة، الآية: 69.
3 سورة البقرة، الآية:200. وانظر جامع البيان (4/203) تجد ابن جرير يُفسِّر الخلاق بما قال المؤلف.
4 نحو هذا التفسير الذي قاله المؤلف في معالم التنزيل (2/309) ، وفتح القدير (2/398) .
5 نحو هذا التقدير الذي ذكره المؤلف قاله الزمخشري في الكشاف (2/201) ولعل المؤلف أخذه منه.
6 من قوله: (وجمع) ، إلى قوله: (الشبهات) مأخوذ من كلام الإمام ابن القيم بتصرف يسير. انظر بدائع التفسير (2/367) .
7 شرح العقيدة الطحاوية، ص (338، 339) . وهناك أحاديث غير هذا الحديث أوردها المؤلف هنا، وهي بمعنى هذا الحديث. وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه مع الفتح برقم (7319) ، والإمام مسلم في صحيحه برقم (2669) وقد أشار طائفة من المفسرين إلى هذا الحديث، أو ما في معناه عند تفسير هذه الآية. انظر جامع البيان (14/341، 342) ، وتفسير القرآن للسمعاني (2/ 326) ، ومعالم التنزيل (2/309) ، وتفسير القرآن العظيم (2/369) .

الصفحة 91