كتاب تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة (اسم الجزء: 1)

وقيل: "إلا" بمعنى (الواو) ، وهذا على قول بعض النحاة، وهو ضعيف1. وسيبويه يجعل "إلا" بمعنى "لكن"، فيكون الاستثناء منقطعاً2، ورجحه ابن جرير وقال: إن الله تعالى لا خُلْف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله:
{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} . قالوا: ونظيره أن تقول: أسكنتك داري حولاً إلا ما شئت، أي: سوى ما شئت، أولكن ما شئت من الزيادة عليه3.
وقيل: الاستثناء لإعلامهم، بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله، لا أنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود، كما في قوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} 4 وقوله تعالى: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} 5، وقوله: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 6 ونظائره كثيرة، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
وقيل: إن "ما" بمعنى "من" أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء. وقيل غير ذلك7. وعلى كل تقدير، فهذا الاستثناء من المتشابه،
__________
1 قول المؤلف "وهو ضعيف" هذا على رأي البصريين، والكوفيون يجيزون ذلك، نص على ذلك شيخهم الفراء عند هذه الآية. انظر معاني القرآن (2/28) ، وانظر الخلاف في المسألة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (1/266) .
2 انظر الكتاب لسيبويه (2/319) تجد أنه قد وضع باباً ينطبق على هذه الآية.
3 ابن جرير لم يرجح بهذا من عنده، وإنما نقله عن بعض أهل العربية من غير تحديد وهو يعني الفراء. انظر جامع البيان (15/487، 488) ، ومعاني القرآن (2/28) فنسبة القول لابن جرير فيها نظر.
4 سورة الإسراء، الآية: 86.
5 سورة الشورى، الآية: 24.
6 سورة يونس، الآية: 16.
7 انظر معاني القرآن للفراء (1/28) ، وتأويل مشكل القرآن، ص (77) ، ومعاني القرآن وإعرابه (3/79، 80) ، وجامع البيان (15/481-489) ، ومعاني القرآن الكريم
(3/381-384) ، والنكت والعيون (2/506، 507) ، وزاد المسير (4/161) ، وغرائب التفسير (1/520، 521) ، والجامع لأحكام القرآن (9/99-102) ، والدر المصون
(6/391-394) تجد مجموع هذه الأقوال في مجموع هذه المصنفات، وأحسن من استوفى ذكرها السمين، والكرماني، والقرطبي. وأولى الأقوال التي ذكرها المصنف بالصواب هو أولها، بل لعله أولى جميع الأقوال التي قيلت، وقد رجحه ابن جرير، والخازن، وغيرهما. انظر جامع البيان (15/489) ، ولباب التأويل (2/254) ، وروح المعاني (12/144) . وقال ابن كثير في تفسيره (2/461) : "وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديماً وحديثاً في تفسير هذه الآية الكريمة".

الصفحة 99