كتاب تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة (اسم الجزء: 2)

النار لا يستلزم دخولها1، وأن النجاة من الشر لا يستلزم حصوله، بل يستلزم انعقاد سببه، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه، يقال: نجاه الله منهم؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً} 2 {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً} 3 {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً} 4 ولم يكن العذاب أصابهم، ولكن أصاب غيرهم، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة، لأصابهم ما أصاب أولئك. وكذلك حال الواردين النار، يمرون فوقها على الصراط، ثم ينجي الله الذين اتقوا، ويذر الظالمين فيها جثيّاً، فقد بيّن صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المذكور: أن الورود هو المرور على الصراط.
وروى الحافظ أبو نصر الوائلي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "علِّم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة، فلا تحدثن في دين الله حدثاً برأيك". أورده القرطبي5.
وروى أبو بكر بن أحمد بن سليمان النجاد، عن يعلى بن منية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقول النار للمؤمن - يوم القيامة -: جُزْ يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي" 6.
__________
1 بهذا المعنى احتج الزجاج في معاني القرآن (3/341) .
2 سورة هود، الآية: 58.
3 سورة هود، الآية: 66.
4 سورة هود، الآية: 94.
5 هو في التذكرة، ص (390،391) قال القرطبي: ذكر الوائلي أبو نصر في كتاب الإبانة. ثم ساق سند الوائلي. وذكر المحققان لشرح العقيدة الطحاوية ص، (608) أنه قد أخرجه أيضاً البغدادي في تاريخه وأبو نعيم في الحلية، وأن أيّ واحد من الأسانيد التي خرجه بها هؤلاء العلماء (الوائلي، البغدادي، أبو نعيم) لايصح، ولا يثبت.
6 شرح العقيدة الطحاوية، ص (606-608) .والحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (22/258، 259) برقم (668) ، وأبو نعيم في الحلية (9/329) من رواية يعلى بن منية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/360) وقال: رواه الطبراني، وفيه سليم بن منصور بن عمار وهو ضعيف. وضعَّفه أيضاً المحققان لشرح العقيدة الطحاوية، ص (608) بالانقطاع وبغيره.

الصفحة 16