كتاب تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة (اسم الجزء: 2)

السحرة لما قالوا: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} 1 قال فرعون: {آمَنْتُمْ بِهِ} 2أي آمنتم برب العالمين. وقيل: إن الضمير في (به) يعود إلى موسى كما في قوله: {آمَنْتُمْ لَهُ} 3 ولكن ليس معناها واحداً، بل في الإيمان به معنى زائد على الإيمان له4، وهو الطاعة والانقياد والإقرار، وكلا المعنيين يصح هنا؛ لأن موسى - عليه السلام - ادعى الرسالة لنفسه وهو صادق في دعواه فصح أن يقال: أصدقتموه في قوله؟، وأن يقال: أصدقتموه وأطعتموه وأقررتم به؟. بخلاف من يدعى الرسالة لغيره كمن قال: موسى رسول الله، صح أن يقال آمنت لمن قال هذا، ولا يقال: آمنت بمن قال هذا من المؤمنين. ففرق بين المتعدَّى بالباء، والمتعدّى باللام، فالأول يقال للمخبَر به والثاني يقال للمخبِر؛ ولهذا قال: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} 5 وقال تعالي - عن إخوة يوسف -: {ُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} 6 وفي هاتين الآيتين لا يصلح دخول الباء عوضاً عن اللام، فلا يقال: (ويؤمن بالمؤمنين) ولا (بمؤمن بنا) ؛ لأنه لا يصح أن يكون فيه
معنى زائد على التصديق من الطاعة والانقياد والإقرار. والأصل أن كل حرف من حروف الجر
__________
1 سورة الشعراء، الآية: 47، 48.
2 سورة الأعراف، الآية: 123.
3 انظر البحر المحيط (4/ 365) ، والدر المصون (5/ 421) ففيهما ما قال المؤلف في مرجع الضميرين. ونص أيضاً على ذلك الكرماني في غرائب التفسير (1/ 418) لكن من غير أن يذكر خلافاً في مرجع الضمير في (به) .
4 أشار المقرئ الكرماني ـ في غرائب التفسير (1/ 481) ـ إلى وجود الاختلاف بين اللام والباء.
5 سورة التوبة، الآية: 61.
6 سورة يوسف، الآية: 17.

الصفحة 21