كتاب تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة (اسم الجزء: 2)

لا للفناء1، وكذلك العرش فإنه سقف الجنة. وقيل: المراد إلا ملكه2. وقيل: إلا ما أريد به وجهه3. وقيل: إن الله تعالى أنزل {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} 4 فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَه} ؛ لأنه حي لا يموت،
فأيقنت الملائكة - عند ذلك - بالموت5. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين
__________
1 لأن المعتزلة احتجت بهذه الآية على أن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن. انظر التفسير الكبير (25/22) . ومن قول المؤلف: (كل شيء) إلى قوله (لا للفناء) نقله ابن القيم في حادي الأرواح، ص (80) ونسبه إلى الإمام أحمد.
2 قاله الإمام البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ (8/505) ، وأورده أبو الليث في بحر العلوم (2/529) .
3 قاله سفيان الثوري في تفسيره، ص (234) ، وحكاه الإمام البخاري في صحيحه (8/505) ، وأبو الليث في تفسير القرآن (2/529) . وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (9/3028) عن مجاهد، لكن بإسناد فيه ضعف، لأنه من طريق خصيف، وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/140) عن ابن عباس ومجاهد وسفيان.
4 سورة الرحمن، الآية: 26.
5 حكاه ابن القيم في حادي الأرواح، ص (79) ونسبه للإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله، وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/140) بنحوه عن ابن جريج.
وقد رجح شيخ الإسلام قول من قال: إلا ما أريد به وجهه. وذلك بكلام جيد يطول نقله، منه أن قال: (وإذا كان المقصود هنا الكلام في تفسير الآية فنقول: تفسير الآية بما هو مأثور ومنقول عن من قاله من السلف، والمفسرين، من أن المعنى: كل شيء هالك إلا ما أُريد به وجهه هو أحسن من ذلك التفسير المحدث) . وقال أيضاً: (فإن ذكره ذلك بعد نهيه عن الإشراك، وأن يدعو معه إلهاً آخر ـ وقوله {لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ} ـ يقتضي أظهر الوجهين، وهو أن كل شيء هالك إلا ما كان لوجهه من الأعيان والأعمال وغيرهما) . مجموع الفتاوى (2/28، 427) . وخلاصة هذا الكلام المنقول أن تفسير الآية بالوجه المذكور ـ أعني إلا ما أريد به وجه الله ـ يترجح لسببين. الأول: أنه القول المأثور عن السلف. والثاني: أن سياق القرآن يدل عليه.

الصفحة 26