كتاب تفسير ابن أبي العز جمعا ودراسة (اسم الجزء: 2)

قال الآخرون: إنما صاروا خير البرية لكونهم آمنوا وعملوا الصالحات، والملائكة في هذا الوصف أكمل؛ فإنهم لا يسأمون ولا يفترون، فلا يلزم أن يكونوا خيراً من الملائكة1. هذا على قراءة من قرأ {الْبَرِيَّةِ} بالهمز2، وعلى قراءة من قرأ بالياء3، إن قلنا: إنها مخففة من الهمزة4، وإن قلنا: إنها نسبة إلى البَرى وهو التراب كما قاله الفراء5، فيما نقله عنه الجوهري في (الصحاح) 6 - يكون المعنى: أنهم خير مَنْ خُلِقَ من التراب، فلا عموم فيها -
__________
1 نحو هذا قال أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن (5/274) .
2 وهي قراءة نافع وابن عامر. انظر المبسوط في القراءات العشر ص، (475) ، وإرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي في القراءات العشر، ص (643) .
3 وهم من عدا نافع وابن عامر (الجمهور) انظر المبسوط في القراءات العشر، ص (475) ، وإتحاف فضلاء البشر، ص (442) .
4 يعني أن تحقيق الهمزة وتخفيفها يرجع إلى أصل واحد، فهو من برأ الله الخلق، أي خلقهم. انظر معاني القرآن وإعرابه (5/350) ، والكشف عن وجوه القراءات السبع (2/385) .
5 انظر معاني القرآن (3/282) فقد نص الفراء على الوجهين على قراءة من قرأ بغير الهمز، وأعني بالوجهين، أن تكون مأخوذة من برأ الله الخلق أي: خلقهم، أو تكون مأخوذة من (البرى) وهو التراب. وقد أنكر الزجاج، ومن بعده أبو علي الفارسي اشتقاق هذه الكلمة (البريّة) من (البرى) وهو التراب، وحجتهما أنها لو كانت كذلك لم تقرأ بالهمز. انظر معاني القرآن وإعرابه (5/350) ، والحجة للقراء السبعة (6/428) . قلت: ويبدو أن هذه الحجة قلقة؛ فإن إثبات أصلٍ لا يدل على إسقاط آخر، بل يمكن حمل كل قراءة على ما يناسبها من الاشتقاق، وقد ثبت كلٌ عن العرب فيما حكى الفراء. ومن هو مثلهما في العربية لم ير إسقاط هذا الاشتقاق، فأبو جعفر النحاس ـ في إعراب القرآن (5/274) ـ أثبت لكل قراءة اشتقاقاً، وأبو منصور الأزهري ـ في علل القراءات (2/789) ـ نقل قول الفراء ولم ينكره، وأبو حيان في البحر (8/495) أيّد قول من قال: إنه قد يكون لكل قراءة اشتقاق.
6 انظر منه (6/2280) (برا) .

الصفحة 66