كتاب وقفات مع أحاديث تربية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته
مُقَدّمَة وتمهيد
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من أرْسلهُ الله رَحْمَة للْعَالمين وَجعله هادياً ومربياً وقدوة للْمُؤْمِنين.
لقد أرسل الله نبيه مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هَذِه الْأمة وَأنزل عَلَيْهِ كِتَابه وَأمره أَن يَدْعُو النَّاس إِلَى عبَادَة رَبهم وتوحيده وَترك الشّرك وَعبادَة الْأَصْنَام فَاسْتَجَاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمر ربه فَقَامَ وأنذر، وصدع بِمَا يُؤمر، وأنذر عشيرته الْأَقْرَبين، ودعا الْعَرَب إِلَى تَوْحِيد رب الْعَالمين، فَاسْتَجَاب لَهُ من أَرَادَ الله هدايته وَأعْرض عَنهُ وعاداه من آثر الغواية والضلال، وَلَقَد كَانَ المستجيبون قليلين مستضعفين يخَافُونَ أَن يتخطفهم النَّاس فاعتنى بهم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورباهم بِحِكْمَتِهِ، وغرس فِي قُلُوبهم العقيدة القويمة وصاغ مِنْهُم صوراً حَيَّة لِلْقُرْآنِ، ونماذج لِلْإِسْلَامِ، فَقَوِيت هَذِه الْقلَّة بعد ضعف، وَكَثُرت بعد قلَّة، ونصرها الله يَوْم نصرته، وحقق آمالها لما صبرت فَانْطَلَقت تنشر الْإِسْلَام فِي أرجاء الأَرْض، وتحطم عروش الْجَاهِلِيَّة ومعتقداتها حَتَّى أتم الله لَهُم ومكنهم فِي الأَرْض فَانْتَشرُوا فِي شَرق الأَرْض وغربها، وفتحوا أقوى الممالك على وَجه الأَرْض فِي ذَلِك الْوَقْت، وبلغوا رِسَالَة رَبهم إِلَى أرجاء المعمورة فِي فَتْرَة وجيزة.
كَانُوا رُعَاة جمال قبل نهضتهم ... وَبعدهَا ملأوا الْعَالم تمدينا
لَو كَبرت بِأَرْض الصين مئذنة ... سَمِعت فِي الغرب تهليل المصلينا
فلنتأمل فِي التربية الَّتِي صنعت هَؤُلَاءِ الْأَبْطَال. ولننظرفي مَنْهَج المربي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي هُوَ قدوة هَؤُلَاءِ الرِّجَال فإنّ من الْوَاجِب علينا أَن نقتفي أثر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونستقي من منهجه فِي الدعْوَة والتربية فَهُوَ قدوتنا وقائدنا {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يرجوا الله وَالْيَوْم الآخر} (1) وَهَذِه
__________
(1) سُورَة الْأَحْزَاب الْآيَة: (21) .
الصفحة 103
496