كتاب وقفات مع أحاديث تربية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته

يثبت. لَكِن على الداعية والمربي أَن يهتم أَولا بالعقيدة ويركز عَلَيْهَا لِأَنَّهَا الركيزة لما بعْدهَا وَلِأَن قُوَّة الْإِيمَان بِاللَّه تَسْتَلْزِم الانقياد لشرعه وتثمر الاستسلام لمنهجه، ونستفيد من الْمنْهَج النَّبَوِيّ أَن من الأوليات فِي تربية الناشئة غرس التَّوْحِيد الْخَالِص فِي قُلُوبهم وَأَن يربوا على مراقبة الله عز وَجل والشعور بِقُرْبِهِ وَحفظه لأوليائه وَالْإِيمَان بِقَدرِهِ ونلمس هَذَا وَاضحا فِي تَوْجِيه كريم وتربية صَادِقَة من الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ عَمه الْغُلَام عبد الله بن عَبَّاس. فقد أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((يَا غُلَام إِنِّي أعلمك كَلِمَات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تَجدهُ تجاهك، إِذا سَأَلت فاسأل الله، وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه، وَاعْلَم أَن الْأمة لَو اجْتمعت على أَن ينفعوك بِشَيْء لم ينفعوك إِلَّا بِشَيْء قد كتبه الله لَك، وَلَو اجْتَمعُوا على أَن يضروك بِشَيْء لم يضروك إِلَّا بِشَيْء قد كتبه الله عَلَيْك، رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف)) (1) وَفِي رِوَايَة أَحْمد ((تعرف على الله فِي الرخَاء يعرفك فِي الشدَّة, وَاعْلَم أَن فِي الصَّبْر على مَا تكره خيرا كثيرا وَأَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَن الْفرج مَعَ الكرب وَأَن مَعَ الْعسر يسرا)) فَهَذِهِ توجيهات عَظِيمَة ومبادئ قويمة يغرسها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفس هَذَا الْغُلَام النَّاشِئ تبدأ هَذِه الْكَلِمَات بالتربية على المراقبة لله وَحفظ أوامره ونواهيه وَذَلِكَ بِاتِّبَاع الْأَوَامِر وَأَدَاء الْفَرَائِض والمحافظة عَلَيْهَا وَاجْتنَاب النواهي والبعد عَنْهَا وَبِذَلِك يحفظه الله وَيكون مَعَه بالتسديد وَالْحِفْظ والعون ثمَّ التَّوْجِيه إِلَى قُوَّة الارتباط بِاللَّه واللجوء إِلَيْهِ والخضوع لَهُ والتذلل لَهُ بسؤاله وَحده والاستعانة بِهِ وَحده. قَالَ ابْن رَجَب رَحمَه الله فِي معنى الحَدِيث: ((إِن من حفظ حُدُود الله
__________
(1) أخرجه التِّرْمِذِيّ (4/6679) وَقَالَ: حسن صَحِيح وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده (1/293، 307) والْحَدِيث إِسْنَاده حسن وحسّنه ابْن رَجَب فِي جَامع الْعُلُوم وَالْحكم ص462.

الصفحة 107