كتاب وقفات مع أحاديث تربية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته

لتستأصله، توكل على الله فكفاه. يَقُول ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: ((حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل، قَالَهَا إِبْرَاهِيم حينما ألقِي فِي النَّار وَقَالَهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حينما قيل لَهُ إِن النَّاس قد جمعُوا لكم)) (1) .
واقرأ معي هَذِه الْقِصَّة وفيهَا صُورَة رائعة من صور توكله وثباته واعتماده على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ ((غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة نجد فَلَمَّا أَدْرَكته القائلة وَهُوَ فِي وادٍ كثير العضاه فَنزل تَحت شَجَرَة واستظل بهَا وعلق سَيْفه، فَتفرق النَّاس فِي الشّجر يَسْتَظِلُّونَ، وبينما نَحن كَذَلِك إِذْ دَعَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجِئْنَا فَإِذا أَعْرَابِي قَاعد بَين يَدَيْهِ أَتَانِي وَأَنا نَائِم فاخترط سَيفي فَاسْتَيْقَظت وَهُوَ قَائِم على رَأْسِي فَقَالَ: إِن هَذَا مخترط سَيفي صَلتا قَالَ: من يمنعك مني؟ قلت: الله. فشامه ((يَعْنِي أغمده)) ثمَّ قعد فَهُوَ هَذَا وَلم يعاتبه رَسُول الله) (2) . وَوَقع فِي بعض الرِّوَايَات ((فَدفع جِبْرِيل فِي صَدره فَوَقع السَّيْف من يَده فَأَخذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: من يمنعك أَنْت مني، قَالَ: لَا أحد. قَالَ: قُم فَاذْهَبْ لشأنك، فَلَمَّا ولى قَالَ: أَنْت خير مني)) . (3) فَانْظُر كَيفَ دعاهم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليشهدوا هَذَا الْموقف وَكَيف أَن الله مَنعه من هَذَا الرجل الَّذِي اخْتَرَطَ سَيْفه لقُوَّة توكله وثقته بربه.
وَهَكَذَا نجد فِي تربية الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه تربيتهم على الثِّقَة بِاللَّه والاعتماد والتوكل عَلَيْهِ وَالْيَقِين بنصره لأوليائه، فَبَيْنَمَا كَانَ الْمُسلمُونَ الْأَوَائِل تَحت طائلة عَذَاب الْمُشْركين واستضعافهم لَهُم حَيْثُ عانوا مِنْهُم الأمرّين.
__________
(1) أخرجه البُخَارِيّ ك: التَّفْسِير، سُورَة آل عمرَان (8 / 229)
(2) أخرجه البُخَارِيّ ك: الْمَغَازِي ب: غَزْوَة ذَات الرّقاع (7 / 429)
(3) انْظُر فتح الْبَارِي (7 / 427)

الصفحة 111