كتاب وقفات مع أحاديث تربية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته

جَاءُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي حَدِيث خباب قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُتَوَسِّد بردة لَهُ فِي ظلّ الْكَعْبَة فقلناألا تستغفر لنا أَلا تَدْعُو لنا؟ فَقَالَ: ((قد كَانَ من قبلكُمْ يُؤْخَذ الرجل فيحفرله فِي الأَرْض فَيجْعَل فِيهَا ثمَّ يُؤْتى بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَع على رَأسه فَيجْعَل نِصْفَيْنِ وَيُمشط بِأَمْشَاط الْحَدِيد مادون لَحْمه وعظمه مَا يصده ذَلِك عَن دينه، وَالله ليتمنّ الله هَذَا الْأَمر حَتَّى يسير الرَّاكِب من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت لَا يخَاف إِلَّا الله وَالذِّئْب على غنمه وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون)) (1) .
هَذِه الْكَلِمَات تربية على الْيَقِين بنصر الله والثقة بِمَا عِنْده وَرفع الهمة فِي نفوس الصَّحَابَة بِضَرْب الْمثل لَهُم بصبر الدعاة السَّابِقين لَهُم. بل علا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهمة أَصْحَابه لتتطلع إِلَى الْجنَّة وَتحْتَسب مَا يُصِيبهَا عِنْد الله فها هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمر بآل يَاسر وهم يُعَذبُونَ فَيَقُول: ((صبرا آل يَاسر فَإِن مَوْعدكُمْ الْجنَّة)) . رَوَاهُ الْحَاكِم (2) وَطَرِيق الْجنَّة محفوف بالمكاره فَلَا بدمن الصَّبْر وَلَا بُد من تربية النُّفُوس على التَّحَمُّل وَالصَّبْر وَإِذا ارتبطت الْقُلُوب بالجزاء الأخروي صبرت وصابرت لِأَنَّهَا تستشعر أَن لَهَا ثَوابًا على ذَلِك هُوَ النَّعيم وَالْجنَّة الَّتِي لَا نصب فِيهَا وَلَا تَعب والنفوس إِذا ذاقت حلاوة الْإِيمَان هان عَلَيْهَا كل شَيْء دونه وَصَارَ زَادهَا فِي الثَّبَات على الطَّرِيق. وَلذَلِك نجد من أولويات التربية النَّبَوِيَّة تربية النُّفُوس على الْعِبَادَة الصادقة والصلة القوية بِاللَّه والارتباط بِهِ فَالصَّلَاة من أهم مَا يجب أَن يتعلمه ويعمله الْمُسلم بعد الشَّهَادَتَيْنِ وَهِي أعظم صلَة للْعَبد بربه. وَلذَلِك كَانَ الرعيل الأول لَهُم حَظّ وافر مِنْهَا فَكَانُوا يقومُونَ اللَّيْل مَعَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تورمت أَقْدَامهم.
__________
(1) أخرجه لبخاري فِي صَحِيحه (فتح 7 / 126) .
(2) الْمُسْتَدْرك (3 / 383) .

الصفحة 112