كتاب وقفات مع أحاديث تربية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته

عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((إِن أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة من عمله الصَّلَاة، فَإِن صلحت فقد أَفْلح وأنجح، وَإِن فَسدتْ فقد خَابَ وخسر، فَإِن انْتقصَ من فريضته شَيْء قَالَ الرب عز وَجل: انْظُرُوا هَل لعبدي من تطوع فيكمل مِنْهَا مَا انْتقصَ من الْفَرِيضَة، ثمَّ يكون سَائِر أَعماله على هَذَا)) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه (1) فَانْظُر إِلَى تَعْظِيم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الصَّلَاة وتأكيده الْمُحَافظَة عَلَيْهَا حَتَّى وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ، ثمَّ بَيَانه لفضلها وأجرها وعظيم عُقُوبَة من فرط فِيهَا.
وَمن معالم التربية النَّبَوِيَّة غرس الْيَقِين بِالآخِرَة فِي النُّفُوس والتذكير بهَا وَجعلهَا هِيَ الهمّ والغاية الَّتِي يسْعَى إِلَيْهَا الْمُسلم. وَالْيَقِين بِالآخِرَة من أعظم أَسبَاب صَلَاح النُّفُوس واستقامتها وَهُوَ ركن أصيل فِي إِيمَان العَبْد الْمُسلم وصلاحه واستقامته وَلِهَذَا نجد أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعله من أهم صِفَات الْمُؤمنِينَ، قَالَ تَعَالَى: {…وبالآخرة هم يوقنون} (2) ونجد الْقُرْآن الْكَرِيم لَا تَخْلُو صفحة من صفحاته من التَّذْكِير بِالآخِرَة وَمَا فِيهَا. وَلَقَد كَانَ مَنْهَج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربط النُّفُوس بِالآخِرَة وَبِمَا فِيهَا من النَّعيم الْمُقِيم وَمَا فِيهَا من الْجَزَاء وَالْعِقَاب الْأَلِيم.
وَيتبع ذَلِك تحقير الدُّنْيَا وَسُرْعَة زَوَالهَا واغترار أَهلهَا بهَا. وتجده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا مَا يُصَدّر أوامره وتوجيهاته بقوله: ((من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر …)) مِمَّا يدْفع للْعَمَل للآخرة وَإِرَادَة وَجه الله وثوابه وَفِي غَزْوَة الخَنْدَق عِنْدَمَا كَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار يحفرون الخَنْدَق وَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بهم من النصب والجوع قَالَ: ((اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة فَاغْفِر
__________
(1) سنَن أبي دَاوُد رقم (864) وَالتِّرْمِذِيّ رقم (413) وَقَالَ: حَدِيث حسن. وَابْن ماجة رقم (1425) والْحَدِيث كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن.
(2) سُورَة الْبَقَرَة آيَة (5) .

الصفحة 114