كتاب وقفات مع أحاديث تربية النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته

للْأَنْصَار والمهاجرة)) (1) وتجده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرص على تَوْجِيه أَصْحَابه إِلَى مَا يَنْفَعهُمْ فِي الْآخِرَة ويزهدهم فِي مَتَاع الدُّنْيَا. حدَّث عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن فِي الصُفَّة فَقَالَ: ((أَيّكُم يحب أَن يَغْدُو كل يَوْم إِلَى بُطحان أَو إِلَى العقيق فَيَأْتِي مِنْهُ بناقتين كوماوين (2) فِي غير إِثْم ولاقطيعة رحم؟)) فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله. نحب ذَلِك. قَالَ: ((أَفلا يَغْدُو أحدكُم إِلَى الْمَسْجِد فَيعلم أَو يقْرَأ آيَتَيْنِ من كتاب الله (خير لَهُ من ناقتين وَثَلَاث خير لَهُ من ثَلَاث وَأَرْبع خيرله من أَربع وَمن أعدادهن من الْإِبِل)) . رَوَاهُ مُسلم (3) فَتَأمل كَيفَ فَضَّل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِرَاءَة آيَات من كتاب الله على نَفِيس المَال عِنْدهم، وهاهو يحفز صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه إِلَى التزود للآخرة والزهد فِي الدُّنْيَا، وَيسْتَعْمل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للترغيب بِالآخِرَة وربط النُّفُوس بهَا أساليب مقنعة تدفع النُّفُوس للتزود والجدّ وَالْعَمَل لهَذِهِ الْحَيَاة الْبَاقِيَة. عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((أَيّكُم مَال وَارثه أحب إِلَيْهِ من مَاله؟)) قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا منا أحد إِلَى مَاله أحب إِلَيْهِ. قَالَ: ((فَإِن مَاله مَا قَدَّم، وَمَال وَارثه مَا أخَّر)) رَوَاهُ البُخَارِيّ (4)
والأمثلة من السّنة النَّبَوِيَّة كَثِيرَة تدل على عناية الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بربط النُّفُوس بالجزاء الأخروي. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لما تربت نُفُوسهم على هَذَا المبدأ يجْعَلُونَ الْآخِرَة هِيَ مقصدهم وغايتهم وَمُرَاد سَعْيهمْ ويحرصون على بذل النَّفس والنفيس للفوز بهَا وَالظفر بنعيمها.
__________
(1) أخرجه البُخَارِيّ ك: الْمَغَازِي ب: غَزْوَة الخَنْدَق.7 /392 وَمُسلم ك: الْجِهَاد ب: غَزْوَة الْأَحْزَاب رقم1805.
(2) الكوماء من الْإِبِل: عَظِيمَة السنام.
(3) صَحِيح مُسلم ك: صَلَاة الْمُسَافِرين ب: فضل قِرَاءَة الْقُرْآن رقم (803) (1/552) .
(4) صَحِيح البُخَارِيّ ك: الرقَاق ب: مَا قدم من مَاله فَهُوَ لَهُ (11 / 260) .

الصفحة 115