كتاب حمد الله ذاته الكريمه في آيات كتابه الحكيمة

أنّ استحقاق الله تعالى للحمد بربوبيته للعالمين (1) هو في أوّل درجات الاستحقاق الوصفي وأعلاها؛ ذلك بأنّ ربوبيته تعالى للعالمين تقتضي تربيته لهم وتدبيره وإصلاحه لأمورهم وشؤونهم بما أسبغ عليهم من نعمه الظاهرة والباطنة (2) .
وثاني الأوصاف وثالثها الوصفان الجليلان (الرحمن الرحيم) ، والإتيان بهما في مقام الحمد ـ هنا ـ لتأكيد استحقاقه تعالى له؛ إذ إنّ من رحمته تعالى بخلقه ما يتقلّبون فيه من نعمه وإحسانه صباح مساء.
قال الفخر الرازي (3) في تفسيره الكبير: ((فاعلم أنّ الرحمن الرحيم عبارة عن التخليص من أنواع الآفات؛ وعن إيصال الخيرات إلى أصحاب الحاجات (4)) ) .
وفي وجه الحكمة في ذكر هاتين الصفتين الجليلتين لله تعالى بعد وصفه برب العالمين ذكر المفسرون أمرين: (أحدهما) الإشارة إلى أن تربيته سبحانه للعالمين ليست لحاجة به إليهم كجلب منفعة أو دفع مضرّة، وإنّما هي لعموم رحمته وشمول إحسانه. و (ثانيهما) البيان بأنّ ربوبيته ربوبية رحمة وإحسان لا ربوبية قهر
__________
(1) الراجح في معنى (العالمين) أنّه جمع العالَم (بفتح اللام) وهو كل موجود سوى الله تعالى. وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده. ودليله قوله تعالى {قال فرعون وما رب العالمين. قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} الشعراء 23 – 24. (انظر: فتح القدير للشوكاني ج1 ص71؛ أضواء البيان للشنقيطي ج1ص101) .
(2) انظر: تفسير الطبري ج1 ص48؛ تفسير البغوي ج1 ص39-40؛ نظم الدرر للبقاعي ج1 ص14؛ تفسير المراغي ج1 ص30.
(3) هو محمدبن عمربن الحسن بن الحسين التيمي البكري، أبو عبد الله (544-606هـ) : الإمام المفسر، قرشي النسب، أصله من طبرستان، ومولده في الريّ وإليها نسبته، ويقال له: (ابن خطيب الريّ) ، رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان وتوفي في هراة. من أشهر مصنفاته: مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) والمحصول في علم الأصول (انظر: لسان الميزان لابن حجر ج 4 ص 426؛ طبقات الشافعية للسبكي ج 5 ص 33؛ البداية والنهاية لابن كثير ج 13 ص 60؛ الأعلام للزركلي ج6 ص 313) .
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج1 ص 7.

الصفحة 24