كتاب معجم المؤلفات الأصولية الشافعية المبثوثة في كشف الظنون وإيضاح المكنون وهدية العارفين

ويليه فِي الْمنزلَة الْعلم الْمُتَعَلّق بالحلال وَالْحرَام وَهُوَ مَا عُرف اصْطِلَاحا بالفقه.
نشأة علم أصُول الْفِقْه وأهميته:
إِن الْعلم بالقواعد الَّتِي تضبط الْفِقْه منزلتها عظمية، وَهِي لَا تقل فِي الْفضل والمنزلة عَن فضل علم الْفِقْه نَفسه؛ لِأَن شرف الْفَرْع شرفٌ لأصلِه.
وَهَذَا العلمُ قد اصْطلحَ على تَسْمِيَته بـ (أصُول الْفِقْه) ، وَهُوَ كغيرِه من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة مرّ بمراحل وتطوّر، بِدْءًا من عصر النُّبُوَّة والرسالة والتدوين، وانتهاءً بِظُهُور المناهج والمدارس الْأُصُولِيَّة وطرق التَّأْلِيف فِيهِ.
وَهَذَا الْعلم قد تمّ واكتمل باكتمال الشَّرْع وَتَمَامه على يَد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ فَإِن الله لم يقبض رَسُوله حَتَّى أكملَ بِهِ دينَه، قَالَ ـ تَعَالَى ـ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [الْمَائِدَة آيَة: 3] .
فَهُوَ علم تامٌّ كَامِل مَحْفُوظ فِي صُدُور وعقول الصَّحَابَة ـ رَضِي الله عَنْهُم ـ كَغَيْرِهِ من الْعُلُوم. وَلم يحتاجوا إِلَى تدوينِه وكتابته لما حباهم الله بِهِ من خَصَائِص وَفضل لن ينافسهم فِيهَا أحد؛ فهم أَرْبَاب الفصاحة والبلاغة وَالْبَيَان وَالشعر وَالْأَدب والنثر؛ وهم أَئِمَّة الْحِفْظ، وهم أهل الذكاء، والفطنة، والنباهة، والفهم.
وَهَذِه الصِّفَات كَانَت لَهُم سجية وَفِيهِمْ سليقة، لم يحتاجوا إِلَى اكتسابها بِخِلَاف مَن جَاءَ بعدَهم.
إِضَافَة إِلَى ملازمتهم الشَّدِيدَة وصحبتهم الحميدة لخير الْبشر وَسيد المعلمين والمؤدبين والمربين نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ فقد لَازمه وَصَحبه بَعضهم ثَلَاثًا وَعشْرين سنة ـ أَي: من بعثته حَتَّى وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ـ، أَمْثَال أبي بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي، وسادات الْمُهَاجِرين وكبرائهم.
وَمِنْهُم من صَحبه فِي غَزْوَة أَو سفر أَو عمْرَة وَنَحْو ذَلِك.
وَمِنْهُم من صَحبه ولازمه عشر سِنِين كسادات الْأَنْصَار وَأُمَّهَات الْمُؤمنِينَ ـ

الصفحة 328