كتاب حمد الله ذاته الكريمه في آيات كتابه الحكيمة

المبحث الرابع:
في وجه العطف بقوله تعالى {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}
يجيء ختام هذه الآية الكريمة ـ عطفاًعلى ما سبق ذكره في أولها بقوله {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله (الحمد الله) على معنى أنّ الله حقيق بالحمد على كل ما خلق لأنه ما خلقه إلا نعمة منه {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} (1) أي يسوّون بينه تعالى وبين غيره في العبادة فيكفرون بنعمته، ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله {الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} على معنى أنه خلق هذه الأشياء العظيمة التي لا يقدر عليها أحد سواه؛ ثم إنّهم يعدلون به جماداً لا يقدر على شيء أصلاً (2) .
والإتيان بحرف العطف (ثم) للتعجب من حال هؤلاء المشركين؛ والإنكار عليهم؛ واستبعاد أن يعدلوا به تعالى غيره مع وضوح وبيان آيات قدرته ودلائل نعمته وإحسانه (3) . وبالتالي فهي دالة على قبح المشركين وسوء طويتهم. وفي هذا يذكر القرطبي (4) قول
__________
(1) قال البغوي في تفسيره: (يعدلون) يشركون، وأصله خلق مساواة الشيء بالشيء ومنه العدل، أي يعدلون بالله غير الله تعالى، يقال عدلت هذا بهذا إذا ساويته (تفسير البغوي ج2 ص84) وانظر (المفردات للراغب ص 325) .
(2) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي ج12 ص152؛ فتح القدير للشوكاني ج2 ص103
(3) انظر: تفسير الطبري ج7 ص92-93؛ التفسير الكبير الفخر الرازي ج12 ص152؛ تفسير النسفي ج2ص2؛فتح القدير للشوكاني ج2ص103؛ التحرير والتنوير ج7 ص128-129.
(4) هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد الله، القرطبي: من كبار المفسرين، صالح متعبد، من أهل قرطبة، رحل إلى الشرق واستقر بمنية ابن خصيب في شمالي أسيوط بمصر وتوفي بها عام 671هـ. (انظر: الأعلام للزركلي ج5 ص322) .

الصفحة 33