كتاب حمد الله ذاته الكريمه في آيات كتابه الحكيمة

ابن عطية (1) إذ قال: ((فـ (ثم) دالة على قبح المشركين؛ لأن المعنى: أنّ خلق السموات والأرض قد تقرر وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد ذلك كله عدلوا بربهم، فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك ثم تشتمني. ولو وقع العطف بالواو في هذا ونحوه لم يلزم التوبيخ كلزومه بثمّ)) (2) .
لطائف:
الأولى: إنّ تقديم (بربهم) على الفعل (يعدلون) لزيادة الاهتمام والمسارعة إلى تحقيق مدار الإنكار والاستبعاد؛ مع المحافظة والمراعاة للفواصل.
الثانية: وإنّ حذف المفعول ـ ههنا ـ لظهوره، أو لتوجيه الإنكار إلى نفس الفعل بتنزيله منزلة اللازم إيذاناً بأنه المدار في الاستبعاد والإنكار لا خصوصية المفعول.
الثالثة: ثم إن في وضع الربّ في قوله: (بربّهم) موضع ضميره زيادة للتشنيع على المشركين والتقبيح لهم (3) .
وبهذه اللطائف يتم الكلام حول هذا الموضع من مواضع حمد الله ذاته الشريفة ولله الحمد والمنة.
__________
(1) هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي، من محارب قيس، الغرناطي، أبو محمد (481-542?) : مفسر وفقيه، أندلسي من أهل غرناطة، وله شعر، ولي قضاء المرية، وكان يكثر الغزوات في جيوش الملثمين وتوفي بلورقة. من أشهر كتبه: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. (انظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي ص 295؛ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري ج1 ص593؛ الأعلام للزركلي ج3 ص282) .
(2) تفسير القرطبي: ج6 ص 387.
(3) انظر: تفسير أبي السعود ج3 ص 105.

الصفحة 34