كتاب الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم وصلى الله تعالى وسلم على المبعوث رحمة للعالمين؛ عربيهم وأعجميهم، أبيضهم وأسودهم، قاصيهم ودانيهم، لانتشالهم من حمأة الشرك ودرك الرذيلة والهوى إلى صفاء التوحيد ونقاء الفطرة وعبادة رب العباد تعالى وتقدس، أما بعد:
ففي خِضَمِّ منظومة قوافل التوحيد التي انطلقت في جميع الاتجاهات تحمل رسالة الإسلام وتُبلِّغ دعوته استرعى الانتباه تلكم الحملات التي اتجهت نحو عاصمة الدولة البيزنطية؛ مدينة القسطنطينية Constantinople ولاسيما الحملة (الأخيرة) في العصر الأموي في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك (96-99?/ 715-717م) التي بذلت فيها جهود، وسخرت لها إمكانات، وخرجت فيها قوى كبيرة، وخطط لها بعناية، فكانت بحق من أشد الحملات الإسلامية خطورة على القسطنطينية في عصر بني أمية، ومع ذلك فقد عجزت عن تحقيق هدفها المنشود. وهي من أكثر الحملات ذكراً في المصادر والروايات التاريخية؛ حتى إنها أفردت بتأليف مستقل 1، ولكن مع كثرة الروايات في المصادر التاريخية العربية عنها، فإنه يكتنفها شيء من الغموض والاضطراب وعدم الدقة، شأنها شأن بعض أحداث التاريخ الإسلامي التي تحتاج إلى إعادة نظر وتدقيق، وتوقُّفٍ عند بعض الروايات فيها لتحريرها وتمحيصها، فكان أن وفقني الله تعالى لجمع المعلومات والروايات المتعلقة بها، والنظر فيها ودراستها
__________
1 ينسب هذا الكتاب إلى عبد الله بن قيس الهمداني، انظر الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 9/338، وابن عساكر، تاريخ دمشق 20/153، وهو مفقود الآن، ومنه نص عند ابن عساكر في تاريخ دمشق 9/167-169.
الصفحة 423
496