كتاب الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي

وقد ذكر ابن خياط أن مسلمة قاد في عهد أبيه حملة موفقة إلى بلاد الروم فتح فيها بعض الحصون 1 يرجح أن هذا الإعداد المذكور كان لها.
وهذا لا ينفي أن عبد الملك كان مدركاً لأهمية القسطنطينية بدليل توجيهه نظر أبنائه إليها، وتمهيده هو الطريق نحوها عندما زحف بنفسه إلى إقليم قيليقية بأرض الروم، وواجه الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني في فترة حكمه الأولىJustinian II (685-695 م) مع قواته عند مدينة سيواس Sebastopolis، وأنزل به هزيمة قاسية، مستفيداً من العناصر السلافية في جيش الإمبراطور الحاقدة عليه والتي استمالها عبد الملك فانضمت إلى صفه، واستفادت الجيوش الإسلامية من خبرتها بالمسالك والدروب، فتابع المسلمون إغاراتهم وانتصاراتهم على المدن والحصون 2.
إن غزو معاقل الروم على جبهة الحدود والتوغل في أراضيهم ومدنهم داخل العمق البيزنطي منذ أواخر عهد عبد الملك وطوال عهد الوليد كان هدفاً مدروساً يراد به تحقيق عدة أمور؛ منها: تدريب القوات الإسلامية على مواجهة الروم في حروبهم ومعرفة أساليبهم القتالية، وأدواتهم، ومعرفة المسالك والدروب والطرق في بلادهم، وإزالة القوى والعقبات الواقعة في طريق زحف الجيوش الإسلامية نحو هدفها الرئيس القسطنطينية، ولذلك يلاحظ أنه لم تخل سنة من سنوات حكم الوليد (86-96?/705-715 م) من خروج جيش للغزو والجهاد، ودخول إلى بلاد الروم، وفتحٍ للمعاقل والحصون 3.
__________
1 تاريخ خليفة ص 293.
2 العدوي، الأمويون ص 157، وفتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية 2/71-72، وعبد اللطيف، العالم الإسلامي ص 254.
3 انظر مثلاً في أحداث سنة 86 تاريخ الطبري 6/426، وفي أحداث سنة 87 تاريخ خليفة ص 304 وتاريخ الطبري 6/429، وفي أحداث سنة 88 تاريخ خليفة ص 305 وتاريخ الطبري 6/434، وفي أحداث سنة 89 تاريخ خليفة ص 305 وتاريخ الطبري 6/439، وفي أحداث سنة 90 تاريخ خليفة ص 306، وتاريخ الطبري 6/442، وفي أحداث سنة 91 تاريخ الطبري 6/454، وفي أحداث سنة 92 تاريخ الطبري 6/468، وفي أحداث سنة 93 تاريخ خليفة ص 309، وتاريخ الطبري 6/469، وفي أحداث سنة 94 تاريخ خليفة ص 310، وتاريخ الطبري 6/483، وفي أحداث سنة 95 تاريخ الطبري 6/492، وفي أحداث سنة 96 تاريخ الطبري 6/495. ويلاحظ أنه ما مرت سنة إلا وكان فيها غزوة أو أكثر صائفة أو شاتية، ويلاحظ أنه قام على جميع تلكم الغزوات رجال من بني أمية إما مسلمة أو أحد أبناء الوليد.

الصفحة 432