كتاب الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي

حصار المدينة على الرغم من برودة الطقس أن مسلمة بن عبد الملك أمر الناس ببناء بيوت من الخشب، وحفر الأسراب1، لتكنهم من البرد، وحفر حول المعسكر خندقاً عميقاً 2، بل وحفر خندقاً آخر من بحر مرمرة حتى القرن الذهبي لمنع الإمدادات من جهة تراقيا 3. وأنه لما دنا من القسطنطينية أمر كل فارس أن يحمل معه مدين من طعام على عجز فرسه حتى يصل إليها، وكذلك العلف للدواب، نُقل إليه كل ذلك من الضواحي ومن رساتيق 4 الروم وجاءه في المراكب، فألقي في ناحية فصار كالجبال، وأمرهم أن يدخروه لوقت الحاجة ففعلوا، ومنها أنه أمر الناس بزراعة الأرض، والإغارة على النواحي، فصاروا يأكلون مما يصيبون من الغارات، ثم أكلوا الزرع لما استوى 5.
ولهذا فقد واصل المسلمون حصارهم لمدينة القسطنطينية، ومنعوا الأقوات من التسرب إلى داخلها من ناحيتهم، وشددوا الضغط عليها، فاستخدموا النفط، واستعملوا نوعاً أشبه بالمدفعية 6 في دك أسوار المدينة، وأظهروا من ضروب الشجاعة وحب الاستشهاد في سبيل الله تعالى والروح المعنوية العالية ما أغاظ عدوهم وفتّ في عضده وأنزل الرعب في قلبه.
__________
1 العيون والحدائق ص 32.
2 سالم، تاريخ البحرية الإسلامية 1/35.
3 أومان، الإمبراطورية البيزنطية، تعريب مصطفى بدر ص 146،وفتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية 2/90، وجوزيف نسيم يوسف، تاريخ الدولة البيزنطيةص131.
(4) واحدها رُسْتاق، ويقال رُسْداق ورُزْداق، فارسي معرب، قال في التاج عن ياقوت: الذي شاهدناه في زماننا في بلاد الفرس أنهم يعنون بالرستاق: كل موضع فيه مزدرع وقرى، ولا يقال ذلك للمدن، فهو بمنزلة السواد عند أهل بغداد. الزبيدي، تاج العروس، مادة (رزتق) 13/162، والجواليقي، المعرب ص 158.
5 تاريخ الطبري 6/530، والعيون والحدائق، وكامل ابن الأثير 4/146.
6 سالم، تاريخ البحرية الإسلامية 1/35، والعدوي، الأمويون ص 165.

الصفحة 443