كتاب الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي

رواية ابن أعثم عن دخول مسلمة المدينة مفصلة؛ فذكرت أن اليون طلب من مسلمة المصالحة على أن يؤدي إليه في كل سنة (ألف ألف درهم، وألف ألف أوقية من ذهب، وخمسة آلاف من البقر والغنم، وألف رمكة1، بفحولها، سوى ما يتبع ذلك..) وأن مسلمة رفض هذا العرض، وحلف يميناً مغلظة أن لا يرحل عن المدينة إلا بعد أن يدخلها، أو يقيم عليها، فوافق اليون على ذلك، شريطة أن يكون وحده لا ثاني معه، وله الأمان حتى يخرج، على أن يقف قائده البطال بالجموع على باب المدينة الذي يظل مفتوحاً فإن كان ثم غدر اقتحم المدينة، فقاتل المقاتلة وسبى النساء والذرية، وأخذ الأموال. وتمضي الرواية في ذكر تنفيذ الاتفاق، ودخول مسلمة المدينة بتكبير وشموخ؛ وأنه دخل كنيستهم راكباً، واقتلع صليبهم الأعظم، المصنوع من الذهب والجوهر، فاحتمله معه، واليون يتشفع إليه في تركه، فيأبى، حتى إذا توسط المدينة رفعه منكساً على رمحه وهم ينظرون إليه بتحسر وألم، حتى خرج من المدينة وقت العصر. ثم بعث إليه اليون ما صالحه عليه. وآذن مسلمة جيشه بالرحيل بعد أن خطبهم وذكر لهم وفاة أبيه وأخيه الوليد واستدعاء أخيه سليمان إياه، فبكى الناس، وعرضوا عليه البيعة، فرفض 2.
عند التمعن في محتوى هذه الرواية يتبين ما يلي:
أولاً: لم تشر رواية ابن أعثم هذه مع تفصيلها في مسألة الدخول إلى بناء المسجد داخل المدينة إطلاقاً، وإنما ذكرت وجود مسجد خارجها، فيما أسمته بمدينة القهر التي بناها مسلمة بإزاء مدينة القسطنطينية، وأن مسلمة لما أزمع على الرحيل هدد اليون إن تعرض لهذا المسجد 3.
__________
1 الرَّمَكَةُ: الفرس والبرذونة تتخذ للنسل. الخليل بن أحمد، كتاب العين 5/370.
2 الفتوح 7/299-304.
3 المصدر السابق 7/305.

الصفحة 466