كتاب الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي

الحصار أخبر الناس بوفاة أبيه عبد الملك وأخيه الوليد!! ـ وكأن الناس لم يعلموا بذلك، ولا مضى على وفاتيهما زمن طويل ـ مع أن معظم المصادر تكاد تجمع على أن خروج جيش مسلمة الذي نحن بصدده كان في عهد سليمان. وورد عنده أن سليمان بن عبد الملك هو الذي استدعى أخاه مسلمة وكتب إليه يأمره بالانصراف إلى ما قبله، ليوجهه إلى خراسان حيث يزيد بن المهلب 1.
والروايات الصحيحة تثبت غير ذلك؛ لأن سليمان توفي والحصار ما زال قائماً، والذي أمر الجيش بالقفول هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى. وأمرٌ آخر وهو أن خلاف يزيد بن المهلب على الأمويين لم يكن في عهد سليمان، وإنما كان في عهد يزيد بن عبد الملك، وفي العراق وليس في خراسان.
ومن غرائب بن أعثم أن مسلمة كان يقاتل أهل القسطنطينية في معارك برية مكشوفة خارج أسوار المدينة، ثم يدخلها أهلها والمسلمون يَقتلون ويَسلبون 2.
وهذا غير ثابت في المصادر التي تنقل عن شهود العيان، ولا كان أهل القسطنطينية يجرؤون عليه، فيعرضون أنفسهم ومدينتهم للخطر، لمعرفتهم الدقيقة بالمسلمين وجرأتهم، وإنما كانوا يقاتلون خلف الأسوار.
الأسباب التي حالت دون فتح القسطنطينية:
لم يدخر المسلمون وسعاً في الإعداد لهذا الفتح والتخطيط له ـ كما لاحظنا ـ وضربوا على أهل المدينة حصاراً أضناهم، وأبدوا من ضروب البسالة والفداء والتحمل والصبر ما أذهل العدو وأرهقه، وجعله يتوسل إليهم طالباً المصالحة وقبول الفداء عن كل رأس من أهل القسطنطينية حتى يرحلوا عنهم. ولما لم يكن هدف المسلمين من جهادهم جمع الأموال واكتنازها فإنهم رفضوا
__________
1 الفتوح 7/298.
2 المصدر السابق 7/298-299.

الصفحة 468