كتاب الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي

ذلك، وخيروا أهل القسطنطينية بالإسلام أو دفع الجزية مع الصغار أو القتال، وحيث لم يقبلوا بالخيارين الأولين، كان لابد من الثالث، لكن المسلمين لم يتمكنوا من مناجزتهم؛ بسبب احتمائهم خلف أسوار المدينة، ولذا ظلوا مرابطين عندها رجاء فتحها، حتى تجمعت أسباب كثيرة اضطرتهم إلى إنهاء الحصار في ذلك الحين، ورجاء أن تسنح فرصة أخرى يتحقق فيها ما لم يتحقق هذه المرة.
وقبل أن نقف عند أهم الأسباب والعوامل التي حالت دون إتمام فتح المسلمين للمدينة، نود أن نطرح السؤال التالي: ما مدى حقيقة غدر اليون بمسلمة وسرقة ما لدى المسلمين من طعام؟!
تكاد تتفق معظم المصادر العربية على ذكر خديعة اليون مرة أخرى للمسلمين؛ حيث سرق طعامهم الذي جمعوه وادّخروه لوقت الحاجة؛ فأدخله القسطنطينية، وبيان ذلك: أن اليون لما اتفق مع أهل القسطنطينية على تمليكه، بعد أن أذن له مسلمة في الدخول إليهم، للتفاوض معهم، لما ضاقت بهم الحيلة، خرج إلى مسلمة، وقال: قد أجابوني لفتح المدينة، إلا أنهم اشترطوا أن تتنحى عنهم وتبتعد قليلاً في بعض الوجوه أو الرساتيق، حتى يطمئنوا ويصدقوا بأن أمري وأمرك واحد، وأنهم في أمان من السباء والخروج من بلادهم، فقال مسلمة: أخشى أن هذا غدر منك، فحلف له اليون أن يدفع كل ما في القسطنطينية من ذهب وفضة وديباج ومال وآنية وسبي وجوهر وسلاح ووشي وما يدخره الملوك، فارتحل مسلمة وتنحى، فأمر اليون الرجال المستعدين بسفنهم، فنقلوا طعام المسلمين وعلوفاتهم، فأدخلوها المدينة، وشحنوا بها الخزائن الإمبراطورية، وأخذوا ما أمكنهم من أمتعة الجيش، وبلغ الخبر مسلمة، فتحقق غدر اليون، فأقبل راجعاً، وأدرك شيئاً من الطعام، ثم أصبح اليون محارباً 1.
__________
1 المسعودي، التنبيه ص 166، والمقدسي البدء والتاريخ 6/44، وتاريخ دمشق 58/21، والكامل 4/174، وتاريخ مختصر الدول ص 196، الذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 271، والبداية والنهاية 9/175.

الصفحة 469