كتاب الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي

- ثم كان من الأسباب الرئيسة في فك الحصار حدوث أزمة نفاد أقوات المسلمين، ومع أن المسلمين قد جمعوا أول ما وصلوا إلى القسطنطينية ما استطاعوا جمعه من الطعام والعلف وادخروه لوقت الحاجة إلا أن ذلك نفد ولم يقم بحاجتهم طوال فصل الشتاء الذي صاحبته الأمطار والثلوج والبرد الشديد كما ذكر، ولاسيما أن عدد الجيش كان كبيراً ومعهم دوابهم التي تحتاج إلى أعلاف ومؤونة في أرض كساها الجليد، ولذلك انتشرت المجاعة والأمراض بين المسلمين، قال عمر بن هبيرة - قائد الأسطول: “بلغنا من حصارهم ما بلغنا، وكان بنا من الأزل والمرض نحواً مما بهم أو أشد” 1، وقال أحد المشاركين في الحملة وهو محمد بن زياد الألهاني: “هلكنا من الجوع ومات الناس” 2، وروى أحد الجنود قال: “كنت فيمن حاصر القسطنطينية، فبلغنا من حصارهم وبلغ منّا الجوع نحواً مما سمعتم” 3، وتحدث شاهد عيان هو أبو سعيد المعيطي عن حال المسلمين إذ ذاك؛ فذكر أن مسلمة تفقد الجيش وسأل عن طعامهم، فأخبر أن الناس في شدة وضيق، وأنهم يتقوتون الخزيرة 4، فحثهم على الصبر. قال أبو سعيد: “وقد جهد عامة الناس، وإنما يأكل الخزيرة منهم أهل القوة، وبقيتهم فيما لا يصفه واصف من أكل توافق الدواب وأشباه ذلك، حتى لقد ذكر أن قوماً أكلوا ميتاً لهم”5، وتحدث شاهد عيان آخر وهو زيد بن واقد عن ما
__________
1 تاريخ دمشق 68/230.
2 الذهبي، دول الإسلام ص 67.
3 تاريخ دمشق 68/332.
4 الخزيرة: شبه عصيدة، وهو اللحم الغابّ يقطع صغاراً في القدر، ثم يطبخ بالماء الكثير والملح، فإذا أميت طبخاً ذُرَّ عليه الدقيق فعصد به، ولا تكون الخزيرة إلا بلحم، تاج العروس، مادة (خزر) .
5 تاريخ دمشق 66/267-268.

الصفحة 474