كتاب المباحث العقدية المتعلقة بالكبائر ومرتكبها في الدنيا

المعاصي1.
قال ابن عبد البر: في شرحه لحديث “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث” 2 وهذا الحديث وإن كان ظاهره العموم، فهو -عندي- مخصوص بحديث كعب بن مالك، حيث أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهجروه ولا يكلموه هو وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع لتخلفهم عن غزوة تبوك، حتى أنزل الله عز وجل توبتهم وعذرهم، فأمر رسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يراجعوهم الكلام. وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له، وزجراً عنها3.
ومنها ما روى عن عائشة رضي الله عنها: "أن صفية بنت حيي رضي الله عنها اعتل جملها وكان عند زينب بنت جحش رضي الله عنها فضل ظهر فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: يا زينب افقري أختك صفية جملاً فقالت: أنا أفقر يهوديتك، وفي رواية: أنا أعطي تلك اليهودية فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منها، فهجرها، فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة والمحرم وصفر فلم يأتها ولم يقسم لها ويئست منه، فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها” 4.
ومن الأدلة فعل الصحابة رضي الله عنهم، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يخذف، فقال له: لا تخذف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف 5 أو كان يكره الخذف وقال: إنه لا يصاد به الصيد،
__________
1 فتح الباري (10/497) .
2 سبق تخريجه ص56.
3 التمهيد (6/117-118) .
4 ذكرته هنا مختصراً وهو بأطول من ذلك، وقد أخرجه حم (6/338) د. السنة. باب ترك السلام على أهل الأهواء (4/199) .
5 الخذف كالضرب، رميك بحصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك فترمي بها، انظر القاموس المحيط (ص:1037) ، تاج العروس (6/80) .

الصفحة 103