كتاب المباحث العقدية المتعلقة بالكبائر ومرتكبها في الدنيا

والنساك والعباد والزهاد من أول هذه الأمة إلى وقتنا هذا: أن صلاة الجمعة والعيدين ومنى وعرفات والغزو مع كل أمير بر وفاجر…والسمع والطاعة لمن ولوه وإن كان عبداً حبشياً إلا في معصية الله تعالى، فليس لمخلوق فيها طاعة”1.
وقال النووي رحمه الله: “وأما الخروج عليهم _ يعني الولاة _ وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، ثم قال: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه”.
ونقل عن القاضي عياض قوله: “وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يخلع، ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك، وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع، وقد رد عليه بعضهم هذا، بقيام الحسين وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث.
وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق، بل لما غيرمن الشرع وظاهر من الكفر2.
__________
1 الإبانة الصغرى (ص: 279) .
2 ليس هناك ما يدل على كفر الحجاج بن يوسف، ومن خرج على الأئمة من السلف المتقدمين ليس معهم في خروجهم دليل يدل على صحة ذلك منهم، وإنما النصوص على خلاف فعلهم، وإنما كانت لديهم رضي الله عنهم ورحمهم شبه واجتهاد ظنوا به جواز ما فعلوا، ونتيجة تلك المعارك كمعركة الحرة، وكربلاء، وفتنة ابن الأشعث تدل دلالة أكيدة على عظيم حكمة الشارع ورحمته حين أمر بالصبر على ظلم الولاة، فما حدث من سفك الدماء وإزهاق الأرواح وذهاب الممتلكات وانتشار الخوف والبلايا الكثيرة، أعظم بكثير من المفاسد التي كانت متوقعة من أولئك الولاة، والصبر على الوالي الظالم كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحمد عاقبة وأهدى سبيلاً.

الصفحة 113