كتاب أساليب دعوة العصاة

جعل فى النفس حبا لما ينفعها وبغضا لما يضرها فلا تفعل ما تجزم بأنه يضرها ضررا راجحا بل متى فعلته كان لضعف العقل. ولهذا يوصف هذا بأنه عاقل وذو نهى وذو حجى، ولهذا كان البلاء العظيم من الشيطان لامن مجرد النفس فإن الشيطان يزين لها السيئات ويأمرها بها ويذكر لها ما فيها من المحاسن التى هي منافع لامضار كما فعل ابليس بآدم وحواء فقال: {يَا آدَمُ هَل أَدُلكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلك لا يَبْلى} [طه:120] وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين1.
2- ضعف الإيمان:
والإيمان يتقوى بالعمل الصالح وتزكية النفس ومجاهدتها على التزام الحق كما سبق، والإيمان بالمعاصي يضعف كما أنه بالطاعات يتقوى، وإذا كثرت المعاصي ران على القلب حجاب كثيف حتى لا يكاد يرى الحق، وفي بيان ذلك وتوضيحه حديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: “ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن” 2
وإذا كان ضعف الإيمان سمة من سمات العصاة فإن هذا لا يعني أن أصل الإيمان ينتفي، وهذا هو المذهب الصحيح الذي عليه السلف، ولعل من أبين من فصل الكلام في هذه المسألة ابن تيمية رحمه الله قال: “ ومما ينبغى أن يعرف أن أكثر التنازع بين أهل السنة في هذه المسألة [أي دخول العمل في مسمى الإيمان] هو نزاع لفظي وإلا فالقائلون بأن الإيمان قول من الفقهاء كحماد بن أبى سليمان وهو أول من قال ذلك ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم متفقون مع
__________
1 مجموع الفتاوى 14 / 289.
2 متفق عليه: خ: المظالم (2475) واللفظ له، م: الإيمان (57) .

الصفحة 153