كتاب أساليب دعوة العصاة

لكن زاد في أحكامها ومقصودهم أن الإيمان هو مجرد التصديق وذلك يحصل بالقلب واللسان وذهبت طائفة ثالثة إلى أن الشارع تصرف فيها تصرف أهل العرف فهي بالنسبة إلى اللغة مجاز وبالنسبة إلى عرف الشارع حقيقة.
والتحقيق أن الشارع لم ينقلها ولم يغيرها ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة كما يستعمل نظائرها كقوله تعالى: {وَلِلهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 57] فذكر حجا خاصا وهو حج البيت وكذلك قوله: {فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ} [البقرة: 158] ... الخ1.
ولمباحث الإيمان تفصيل ذكره أهل العلم يطلب في مظانه، والخلاصة المعنية هنا أنه اعتقاد بالقلب، وتصديق باللسان، وعمل بالجوارح، ولا بد من تضافر هذه العمد الثلاثة.
3- غلبة الشبهات والشهوات:
وهي ثالثة الأثافي، ولولا غلبة الشهوات لكان الناس في خير، والله تعالى ركب في الإنسان تلك الشهوات كشهوة الزواج وشهوة حب المال والتملك وشهوة التسلط على ما سيأتي تفصيله بعد إن شاء الله تعالى، فمن تغلب على شهواته وسيطر عليها وحاكمها وضبطها سلك سبيل الرشد، ومن غلبته شهوته سلكت به سبيل الغي والعياذ بالله.
وهذه السمات الثلاث بينها تداخل وتشابك وبعضها يتولد من البعض الآخر ثم هي من مرض القلب مما ينعت به المنافقون، قال ابن تيمية رحمه الله: “ذكر الله مرض القلب في مواضع فقال تعالى: {إِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} [الأنفال: 49]
والمرض في القلب كالمرض في الجسد فكما أن هذا هو إحالة عن الصحة
__________
1 مجموع الفتاوى 7 / 297.

الصفحة 155