كتاب مباحث الأمر التي انتقدها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى

كَقَوْل الْمُسلمين مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن1، وَكَقَوْلِه تَعَالَى {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} 2 وَقَول نوح عَلَيْهِ السَّلَام: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} 3.
وَلَا ريب أَن الله يَأْمر الْعباد بِمَا لَا يُريدهُ بِهَذَا التَّفْسِير وَالْمعْنَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} 4 فَدلَّ على أَنه لم يوت كل نفس هداها مَعَ أَنه أَمر كل نفس بهداها.
وكما اتّفق الْعلمَاء على أَن من حلف بِاللَّه ليقضين دين غَرِيمه غَدا إِن شَاءَ الله أَو ليردن وديعته أَو غصبه أَو ليصلين الظّهْر أَو الْعَصْر إِن شَاءَ الله، أَو ليصومن رَمَضَان إِن شَاءَ الله وَنَحْو ذَلِك مِمَّا أمره الله بِهِ فَإِنَّهُ إِذا لم يفعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لَا يَحْنَث5 مَعَ أَن الله أمره بِهِ لقَوْله إِن شَاءَ الله، فَعلم أَن الله لم
__________
1 - قَالَ ابْن حزم فِي الْفَصْل 3/182 “وَيَكْفِي من هَذَا كُله اجْتِمَاع الْأمة على قَول مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن”.
2 - سُورَة الْأَنْعَام آيَة رقم 125.
3 - سُورَة هود آيَة رقم 34.
4 - سُورَة السَّجْدَة آيَة رقم 13.
5 - قَالَ ابْن قدامَة رَحمَه الله فِي الْمُغنِي 8/715 “وَجُمْلَة ذَلِك أَن الْحَالِف إِذا قَالَ مَا شَاءَ الله مَعَ يَمِينه فَهَذَا يُسمى اسْتثِْنَاء ... وَأجْمع الْعلمَاء على تَسْمِيَته اسْتثِْنَاء وَأَنه مَتى اسْتثْنى فِي يَمِينه لم يَحْنَث فِيهَا”.
وَانْظُر الْفَصْل فِي الْملَل والأهواء والنحل 3/190 والانتصار فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة الأشرار 1/305 - 306.
وَقد اسْتدلَّ أهل الْعلم على ذَلِك بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: “من حلف فَقَالَ إِن شَاءَ الله لم يَحْنَث” رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. انْظُر سنَنه مَعَ تحفة الأحوذي 5/129 وَابْن ماجة 1/680 وَهُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد، انْظُر إرواء الغليل 8/198.

الصفحة 384