كتاب مباحث الأمر التي انتقدها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى

لأمر وَالله تَعَالَى أَمر الْعباد بِمَا أَمرهم بِهِ، وَلَكِن أعَان أهل الطَّاعَة فَصَارَ مرِيدا لِأَن يخلق أفعالهم، وَلم يعن أهل الْمعْصِيَة فَلم يرد أَن يخلق أفعالهم فَهَذِهِ الْإِرَادَة الخلقية الْقَدَرِيَّة لَا تَسْتَلْزِم الْأَمر.
أما الْإِرَادَة بِمَعْنى أَنه يحب فعل مَا أَمر بِهِ ويرضاه إِذا فعل، وَيُرِيد من الْمَأْمُور أَن يَفْعَله من حَيْثُ هُوَ مَأْمُور بِهِ فَهَذِهِ لابد مِنْهَا فِي الْأَمر.
وَلِهَذَا أثبت الله هَذِه الْإِرَادَة فِي الْأَمر دون الأولى، وَلَكِن فِي النَّاس من غلط فنفى الْإِرَادَة مُطلقًا [وَمِنْهُم من أثبتها مُطلقًا] 1.
وكلا الْفَرِيقَيْنِ لم يُمَيّز بَين الْإِرَادَة الخلقية والإرادة الأمرية والقرءان فرَّق بَين الإرادتين:
فَقَالَ فِي الأولى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} 2وَقَالَ نوح {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} 3 وَقَالَ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا
__________
1 - مَا بَين القوسين زِيَادَة من الباحث اقتضاها السِّيَاق.
2 - سُورَة الْأَنْعَام آيَة رقم 125.
3 - سُورَة هود آيَة رقم 34.

الصفحة 393