كتاب المباحث العقدية المتعلقة بالكبائر ومرتكبها في الدنيا

مرتكب الكبيرة مؤمناً يلزم كل من لم ير فرقاً بين مسمى الإسلام والإيمان في الشرع، وإنما يرى أن الإسلام والإيمان شيء واحد.
وعلى هذا القول البخاري صاحب الصحيح وعزاه في الفتح إلى المزني صاحب الشافعي، وإليه ذهب ابن عبد البر، وعزاه إلى جمهور أهل السنة والحديث1.
فهذان القولان مأثوران عن أهل السنة في تسمية مرتكب الكبيرة، وأن منهم من لا يجيز تسميته مؤمناً وإنما يسميه مسلماً.
ومنهم من يرى أنه لا يجوز أن ننفي عنه اسم الإيمان؛ لأن الإسلام والإيمان سواء، بل يسمى مؤمناً ومسلماً.
والقولان متقاربان جداً؛ لأن من لا يرى جواز إطلاق اسم الإيمان على الفاسق لا يخرجه من الدّين، بل يرى أن معه إيمان به تصح أعماله، وبه تصح نسبته إلى هذا الدّين، إلا أن إيمانه نقص نقصاً لا يستحق معه إطلاق هذا المسمى عليه، ويجوز عنده أن يقال عنه إنه مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
ومن يرى أنه يجوز إطلاق اسم الإيمان على مرتكب الكبيرة لا يعتقد أنه على إيمان كامل، بل يرى أنه ناقص الإيمان غير مستكمل له، لكن لا يجوز أن نقول إنه غير مؤمن بإطلاق، وإنما يجوز أن نقول هو غير كامل الإيمان.
فمن هنا يتبين أن الخلاف بين القولين في المسمى؛ لأن كلاً منهما اعتبر أوجهاً شرعية رأى فيها ما يرى أنه الحق.
فأصحاب القول الأول الذين يرون عدم جواز إطلاق اسم الإيمان على مرتكب الكبيرة لاحظوا أن الشرع اعتبر اسم الإيمان اسم تزكية ومدح وثناء، ومرتكب الكبيرة ليس من أهلها.
__________
1انظر: فتح الباري (1/114) ، التمهيد لابن عبد البر (3/226) .

الصفحة 80