كتاب أحوال المحتضر

واستخذت بين يدي ربها وفاطرها ومولاها الحق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته، وتجرد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتحقق بطلانه، فزالت منها تلك المنازعات التي كانت مشغولة بها، واجتمع همها على من أيقنت بالقدوم عليه والمصير إليه، فوجه العبد وجهه بكليته إليه، وأقبل بقلبه وروحه وهمه عليه فاستسلم وحده ظاهراً وباطناً، واستوى سره وعلانيته فقال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه، وقد تخلص قلبه من التعلق بغيره والالتفات إلى ما سواه، قد خرجت الدنيا كلها من قلبه وشارف القدوم على ربه وخمدت نيران شهوته وامتلأ قلبه من الآخرة فصارت نصب عينيه وصارت الدنيا وراء ظهره فكانت تلك الشهادة الخالصة خاتمة عمله فطهرته من ذنوبه وأدخلته على ربه؛ لأنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة، وافق ظاهرها باطنها وسرها علانيتها، فلو حصلت له الشهادة على هذا الوجه في أيام الصحة لاستوحش من الدنيا وأهلها وفرّ إلى الله من الناس، وأنس به دون ما سواه لكنه شهد بها بقلب مشحون بالشهوات وحب الحياة وأسبابها ونفس مملوءة بطلب الحظوظ والالتفات إلى غير الله، فلو تجردت كتجردها عند الموت لكان لها نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمي”1.
فإن قيل: هل يُعرض الإسلام على الصبي والكافر؟
فيقال: عنون البخاري ت256هـ بهذا العنوان (هل يُعرض على الصبي الإسلام) للباب التاسع والسبعين من كتاب الجنائز، كما عنون بـ (كيف يعرض الإسلام على الصبي) للباب الثامن والسبعين بعد المائة من كتاب الجهاد، ثم أورد فيهما ما رواه بسنده عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد2، وقد قارب الحلم ”أتشهد أني
__________
1 الفوائد ص55، 56.
2 هو صافي بن صياد، كان أبوه يهودياً، واشتهر عن صافي التكهن وهو صغير؛ فجاءه الرسول صلى الله عليه وسلم ليختبره: انظر تجريد أسماء الصحابة 1/319 وفتح الباري 3/220.

الصفحة 128