كتاب أحوال المحتضر
علم أنه يختم له بالإيمان، ومن علم أنه يختم له بالكفر يزداد غياً وطغياناً وكفراً، فاستأثر الله تعالى بعلم ذلك؛ ليكون العباد بين خوف ورجاء، فلا يعجب المطيع لله بعمل، ولا ييأس العاصي من رحمته، ليقع الكل تحت الذل والخضوع والافتقار إليه”1.
وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ”إن أحدكم ـ أو الرجل ـ ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غيرُ باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها” 2.
يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ لقرب أجله ووفاته، فيسبق عليه الكتاب الأول، الذي كتب أنه من أهل النار، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وقد دل الحديث السابق ذكره، وهو”إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار" على أن عمله بعمل أهل الجنة هو فيما يبدو للناس وليس حسناً، وكذلك الرجل الثاني الذي يعمل بعمل أهل النار، فيمن الله عليه بالتوبة والرجوع إلى الله عند قرب أجله فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها، ومن أحسن العمل في قلبه وظاهره؛ فإن الله تعالى لا يضيع أجره3، قال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} 4.
__________
1 شرح صحيح البخاري 10/203.
2 رواه البخاري، كتاب القدر، باب (1) في القدر ح6594.
3 انظر فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين 1/71.
4 سورة الكهف، الآية 30.
الصفحة 142
502