كتاب التوسل في كتاب الله عز وجل
وإحسانه لا ينقطع، فيلهج لسانه بالتضرع والدعاء أن يلهمه شكر نعمه التي أنعمها عليه وعلى والديه، وأن يوفقه للعمل الصالح الذي يرضاه جل وعلا، وأن يصلح في ذريته ليكونوا عبادا صالحين مثله، يطيعون ربهم، ويعمرون الأرض بالصالحات، فتوسل إلى ربه جل وعلا بتوبته إليه، وندمه على تقصيره وتفريطه، وإقراره بذنبه، وتوسل إليه بأنه مستسلم لأمره، خاضع لطاعته، مخلص له العبادة، وإنه لتوسل من أعظم التوسلات؛ إذ توسل بإقراره بنعم ربه عليه، وشكره لأنعمه، وطلب العون من ربه على شكره، وحسن عباده، وصلاح ذريته، وهذا التوسل بالخطأ والإقرار بالذنب، والندم على الزلة، وأخيراً التوسل بالاستسلام التام لله رب العالمين، ولهذا كان عاقبة هذا التوسل ما قاله ربنا جل وعلا {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} 1.
التوسل بالصبر
...
ومن التوسل المشروع التوسل إلى الله تعالى بالصبر على ما يصاب به المؤمن ويبتلى به من تسلّط أعداء الله عليه، وإذاقته صنوف العذاب ليردّوه عن دينه، ويفتنوه في إيمانه، يقول الله تعالى حاكيا عن سحرة الأقباط الذين أعلنوا إيمانهم بين يدي فرعون عليه لعائن الله {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ. قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ. وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} 2 إنه لموقف عظيم لا يقفه إلا من قد ملأ الإيمان قلبه، وخالطت بشاشته فؤاده، موقف الثبات على الإيمان رغم هذا الوعيد الشديد،
__________
1 الأعراف: 121-126
الصفحة 30
502