كتاب التوسل في كتاب الله عز وجل
والتهديد الأكيد الذي صدر من طاغية قادر لا يتورع عن إيذاء من لا ذنب له، فكيف بمن كفر به، وأعلن خروجه عن ولائه، وسيؤثر موقفه في النظارة الحاضرين؛ إذ يزعزع إيمانهم بفرعون، ويكشف كذبه وافتراءه في ادعائه الربوبية، ويفضح زيفه في ادعاء الألوهية.
ولعلم أولئك المؤمنين بصدقه في وعيده، وأنه سيفعل ما قال دون تردد أظهروا ثباتهم، وعدم تراجعهم ولو كلفهم ذلك أرواحهم، فلذا دعوا الله عز وجل أن يفرغ عليهم الصبر، ويعمهم به ليثبتوا على دينهم، ولا يرتدوا عنه، وسألوا ربهم جل وعلا أن يتوفاهم على الإسلام ليكون ذلك سببا لنجاتهم من عذاب هو أشد من عذاب فرعون، وليكون سببا في رضا الله عز وجل عنهم، ومن ثم دخولهم الجنة دار رحمته.
إن هذا الموقف من مواقف التوسل إلى الله عز وجل بالإيمان به، والثبات على الإيمان، موقف الراغبين فيما عند الله عز وجل، الذين لا يؤثرون شيئاً في هذه الحياة الدنيا على مرضاة ربهم ولو كان في ذلك إزهاق لأرواحهم، وإتلاف لنفوسهم؛ ألا ما أجّله من موقف!، وما أعظمه من درس ينبغي أن يحتذيه كل من يريد أن يتوسل إلى ربه عز وجل؛ إن التوسل لله عز وجل لا يكون إلا بعمل صالح، وجهد يقوم به المرء يبتغي به وجه ربه، لا توسل العاجزين الذين يتطلعون إلى أعمال غيرهم، ومنازل سواهم، فيتوسلون بها ـ إنها وسيلة غير نافعة، وطريق مقطوع لا يصل به صاحبه إلى مراده.
التوسل بالجهاد في سبيل الله
...
هذا وإن من أعظم ما يتوسل به العبد إلى ربه هو جهاده في سبيل إعلاء كلمته، وثباته في القتال، وصبره على ما يصيبه في سبيل الله عز وجل، وعدم استكانته وضعفه في مواطن الابتلاء، وإنا لنلمس ذلك فيما حكاه الله عز وجل عن الربانيين الصالحين أتباع النبيين قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ
الصفحة 31
502