كتاب التوسل في كتاب الله عز وجل
التوسل بالأسماء والصفات
إن مما يستدعي التدبر والتأمل قول الله عز وجل حكاية عن موسى وهارون عليهما السلام قال تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} 1 فهذا كليم الله موسى عليه السلام عند ما كان على موعد مع ربه تبارك وتعالى، فذهب إليه ومكث أربعين يوما، وعاد إلى قومه، فوجد قومه قد غيروا ما كانوا عليه من التوحيد، وعبدوا العجل، وذلك بتسويل وتزيين السامري لهم ذلك، حيث صنع لهم عجلاً جسداً له خوار؛ ذلك العجل الذي صنعه من الذهب الذي أخذوه من القبط قبل خروجهم من مصر، وخلطه بتراب من أثر الرسول (جبريل عليه السلام) ، وكان يصدر صوتا، وأصبح فتنة لهم، فعبدوه وقالوا ما حكاه الله عز وجل عنهم: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} 2.
هذا وقد حاول هارون عليه السلام أن يثنيهم عن عزمهم الباطل فلم يفلح، وأصروا على شركهم، فلما رأى موسى عليه السلام وقد تغير حال قومه من توحيد، إلى شرك ألقى الألواح التي فيها التوراة، وأمسك برأس أخيه هارون يجره إليه؛ فقال له: {يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} 3 وقال له: {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي
__________
1 الأعراف: 150-151
2 طه: 88
3 طه: 94
الصفحة 41
502