كتاب التوسل في كتاب الله عز وجل
المصير والمرجع إليه وحده، ثم تضرعوا إلى الله عز وجل أن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا، وأن يغفر لهم ما سبق لهم من زلة أو تقصير، وختموا دعاءهم بثنائهم على ربهم، وتوسلهم بصفتين جليلين لله عز وجل، فهو عز وجل العزيز الغالب الظاهر الذي لا يذل من التجأ إليه، ولا يخيب من توكل عليه، وهو الحكيم الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة، بل حكم بالغة، وأسرار عظيمة.
ومناسبة هذين الوصفين لهذا الدعاء ظاهر؛ ذلك أن الدعاء فيه طلب النجاة من فتنة أعداء، وأن لا يكون المؤمنون سبباً في فتنتهم، وهو من الحكمة؛ لئلا يكون حال المؤمنين فيما لو سلّط عليهم الأعداء، وظهروا عليهم سبباً في افتتانهم بباطلهم، وفيه التوكل على الله عز وجل، والاعتماد عليه، وذلك يناسبه وصف العزة والحكمة، والله أعلم.
توسل عباد الرحمن
...
وفي سورة الفرقان يذكر ربنا جل وعلا صفات عباده الصالحين فيقول عز من قائل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً. وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} 1 إن عباد الرحمن قوم يعيشون على التواضع فلا يتكبرون في الأرض بغير الحق، فهم يمشون بسكينة ووقار بغير مرح ولا بطر، وإذا تطاول عليهم سفيه بقول سيئ لم يقابلوه بمثل سفهه ونزقه بل يعفون، ولا يقولون إلا الخير، ويردون جهله بالمعروف من القول، وهم قوم يقضون ليلهم بين سجود وقيام لرب العالمين، يدعون ويتضرعون ويخبتون إليه، ويقولون {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} إن الذي حملهم على ترك النوم، والتقلب في الساجدين إنما هو خوفهم من ربهم، ذلك الخوف الذي يدفعهم إلى أن يتضرعوا إلى ربهم أن يصرف عنهم عذاب جهنم، هكذا كأنهم يحسّون
__________
1 الفرقان: 63-66
الصفحة 53
502