كتاب التوسل في كتاب الله عز وجل
في الدنيا والآخرة، فلا يقدر على إنجائه وإسعاده سواه.
وبعد هذه التوسلات العظيمة دعا ربه بما يريد فقال: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} إن غاية مطالبه، وأقصى مآربه أن يتوفاه ربه وهو مسلم، حتى يتوفاه وهو راضٍ عنه، وأن يلحقه بصالحي عباده ليكون من أهل السعادة، وليفوز بجوار ربه في جنات النعيم.
التوسل برحمة الله وفضله
لنتأمل قول الله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام وقوله {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ. فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} 1 إنه موقف من آمن من قوم موسى عليه السلام؛ إذ آمنوا وهم على خوف من أن يفتنهم فرعون وملؤه عن الإيمان، وذلك لعلوه في الأرض وكونهم مسرفين، ولذا لما أبدوا لموسى عليه السلام خوفهم من فتنة فرعون وقومه قال لهم {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} أي إن وثقتم بإيمانكم بالله عز وجل فثقوا بربكم واعتمدوا عليه وفوضوا إليه أمركم، فأجابوه بقولهم على الله وحده دونما سواه توكلنا، ودعوا ربهم عز وجل أن لا يجعلهم فتنة للظالمين، أي لا يكونوا موقع ابتلاء لفرعون وقومه، وذلك بأن يسلطهم عليهم، ويرخي الله عز وجل لهم العنان بأن يتركهم يعذبونهم، وينتقمون منهم، فيظنوا أنهم إنما تسلطوا عليهم لأنهم على الحق وقوم موسى على الباطل فيفتتنوا بذلك 2.
وقيل معناه: لا تعذبنا بأيدي فرعون، ولا تعذبنا بعذابٍ من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على الحق ما عذّبوا ولا سلّطنا عليهم فيفتتنوا 3.
__________
1 يونس: 84-86
2 ينظر: البحر المحيط 5/185.
3 ينظر: الوسيط في التفسير 2/556، وفيه أيضاً “أي لا تظهرهم علينا فيروا أنهم خير منا فيزدادوا طغياناً” وينظر: تفسير البغوي 3/166.
الصفحة 57
502