كتاب أحوال المحتضر

فيتولون ذلك بأمر ملك الموت، فيكون التوفي مضافاً، وإن كان ذلك من فعل أعوان ملك الموت إلى ملك الموت؛ إذ كان فعلهم ما فعلوا من ذلك بأمره، كما يضاف قتل من قتل أعوان السلطان، وجلد من جلدوه بأمر السلطان إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده”1.
فالمتأمل في نصوص القرآن الكريم يدرك أن الله سبحانه وتعالى أسند التوفي للملائكة كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} 2، وقوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} 3، وقوله {توفته رسلنا} 4، وغيرها من الآيات، وأسنده في آية أخرى لملك الموت، قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} ، وأسنده سبحانه في آية أخرى إليه جل وعلا، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} 5، ولا معارضة بين الآيات المذكورة، فإسناد التوفي إليه سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يموت أحد إلا بمشيئته وإذنه كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} 6، وإسناده لملك الموت؛ لأنه هو المأمور بقبض الأرواح، وإسناده للملائكة؛ لأن لملك الموت أعواناًُ من الملائكة ينْزعون الروح من الجسد إلى الحلقوم؛ فيأخذها ملك الموت7.
__________
1 جامع البيان في تفسير القرآن 7/139.
2 سورة النحل، الآية 28.
3 سورة النحل، الآية 32.
4 سورة الأنعام، الآية 61.
5 سورة الزمر، الآية 42.
6 سورة آل عمران، الآية 145.
7 انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 3/267، ودفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ص236.

الصفحة 94