كتاب أثر الملل والنحل القديمة في بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام

وكذا قوله:
“سُبحان من أظهر ناسوتَه ... سرَّ سنَا لاهوتِه الثاقبِ
حتى بدا في خلقِه ظاهرًا ... في صورةِ الآكل والشاربِ”1
وقد علَّق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت 728هـ) على هذين البيتين ـ الأخيرين ـ، بقوله: “ فهذه قد تعيَّن بها الحلول الخاصّ، كما تقوله النصارى في المسيح “2.
فالحلاَّج ـ كحال من وافقه من غلاة الصوفيَّة ـ تأثَّر بالحلول الذي نادت به النصرانيَّة المحرَّفة، فأخذه عنها، واعتنقه، وصرَّح به، ودعا إليه.
وقد تفطَّن إلى هذه الحقيقة الدكتور نيكلسون [Nicklson] ، فقال معلِّقاً على أبيات الحلاَّج “أنا من أهوى ومن أهوى أنا”، مؤكِّداً تأثُّره بالنصرانيَّة: “وهذا المذهب في التألُّه الشخصي، على الشكل الخاصّ الذي طَبَعَهُ به الحلاَّج، بينه وبين المذهب المسيحي الأساسيّ نسبٌ واضحٌ، ولذا كان هذا المذهب عند المسلمين كفراً من شرِّ أنواع الكفر. وقد قيَّض الله له أن يعيشَ دون تغيير فيه بين أتباعه الأقربين والحلوليّين، وهم الذين يقولون بالتجسيد.. “3.
فالتشابه واضحٌ بين المذهبين، كما نبَّه على ذلك (د. نيكلسون) .
وممَّن قال بالحلول من الصوفيَّة ـ أيضاً ـ: أبو يزيد البسطامي ومن العبارات التي نُسِبَت إليه، قوله: “رفعني الله مرةً فأقامني بين يديه، وقال لي: يا أبا يزيد! إنَّ خلقي يُحبُّونَ أن يروكَ. فقلتُ: زيِّنِّي بوحدانيّتِك، وألبِسْني أنانيَّتك، وارفعني
__________
1 المرجع نفسه ص 31.
2 مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية 1/94.
3 الصوفية في الإسلام لنيكلسون ص 141.

الصفحة 53