كتاب أثر الملل والنحل القديمة في بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام

وعدد لا يُحصى من الأرباب التي تبثّ الراحة والطمأنينة في النفوس، وتمتاز بوجود كائنات في كلّ مكانٍ لا تُدركها الحواسّ، كلّ هذا انتقل إلى المسيحيَّة كما ينتقل دم الأم إلى ولدها ... إنَّ المسيحيَّة لم تقض على الوثنيَّة، بل ثبّتتها؛ ذلك أنَّ العقل اليوناني عاد إلى الحياة في صورةٍ جديدة؛ في لاهوت الكنيسة وطقوسها، ونُقلت الطقوس اليونانيَّة الخفيَّة إلى طقوس القُدَّاس الرهيبة، وجاءت من مصر آراء الثالوث المقدَّس، ويوم الحساب، وأبديَّة الثواب والعقاب، وخلود الإنسان في هذا، أو ذاك..”1.
ولقد تأثَّرت بعض الفرق ـ المنتسبة إلى الإسلام ـ بعقيدة التثليث هذه؛ فنظرة فاحصة في عقائد النصيريَّة2 تجعل الناظر يجزم بهذا التأثُّر، بسبب ما يلمحه من تشابهٍ كبيرٍ بين الديانتين؛ فالإله عند النصيريَّة مكوَّن من ثلاثة أقانيم؛ هم عليّ، ومحمَّد، وسلمان. لذلك يستعيضون عن التسمية بقولهم: بسر ع م س. فالعين (ع) هوعليّ بن أبي طالب، وهو المعنى؛ أي الذات الإلهيَّة، والميم (م) هو محمَّد، وهو الاسم، والحجاب، والنبيّ الناطق. أمَّا السين (س) فهو سلمان الفارسيّ؛ وهو الباب الذي خلقه محمَّد –على حدّ زعمهم3.
يقول سليمان أفندي الأضني4 [1410?] كاشفاً عن ديانة أبناء طائفته ـ
__________
1 قصة الحضارة لول ديورانت 11/418.
2 من فرق الباطنيَّة. تنتسب إلى محمَّد بن نُصَيْر، وتعتقد أُلوهيَّة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. ويجمعها مع الفرق الباطنيَّة القول بأنَّ للنصوص الشرعيَّة ظاهراً وباطناً، وأنَّ الباطن غير مراد، والقول بالتناسخ. (انظر طائفة النصيرية للدكتور سليمان الحلبي ص 36-39) .
3 انظر الحركات الباطنيَّة في العالم الإسلامي للدكتور محمد أحمد الخطيب ص 360.
4 من الطائفة النصيريَّة، ولد في أنطاكية ـ من إقليم أضنةـ سنة 1250?، وتلقى تعاليم الطائفة، ثمّ لم يلبث أن تنصَّر على يد أحد المبشرين، وهرب إلى بيروت؛ حيث أصدر كتابه (الباكورة السليمانيَّ) ، يكشف فيه أسرار هذه الطائفة. وبعدما علم به أبناء طائفته، استرجعوه، وحين عاد وثبوا عليه وخنقوه، وأحرقوا جثته.

الصفحة 58