كتاب النشوز بين الزوجين

المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق ... قال بعضهم: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب، فإن ظاهر اللفظ وإن دل على الجمع، إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب، قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: يعظها بلسانه، فإن انتهت فلا سبيل له عليها، فإن أبت هجر مضجعها، فإن أبت ضربها، فإن لم تتعظ بالضرب بعث الحكمين.
وقال آخرون: هذا الترتيب مراعى عند خوف النشوز، أما عند تحقق النشوز فلا بأس بالجمع بين الكل (1) .
وقال أبو حيان في تفسيره: قال الرازي ما ملخصه: يبدأ بلين القول في الوعظ، فإن لم يفد فبخشنه، ثم بترك مضاجعتها، ثم بالإعراض عنها كلية، ثم بالضرب الخفيف، كاللطمة واللكزة ونحوها، مما يشعر بالاحتقار وإسقاط الحرمة، ثم بالضرب بالسوط والقضيب اللين ونحوه، مما يحصل به الألم والإنكاء، ولا يحصل عنه هشم ولا إراقة دم ... وأي شيء من هذه رجعت به عن نشوزها على ما رتبناه لم يجز له أن ينتقل إلى غيره، لقولِه: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} (2) .
والقرآن عندما أباح ضرب المرأة إنما جعله علاجاً يحتاج إليه عند الضرورة، فالمرأة إذا أساءت عشرة زوجها، وتمادت في صلفها ونشز غرورها، لا تكف ولا ترعوي عن عصيانها واستعلائها، فماذا يصنع الزوج في مثل هذه الحالة؟، أيهجرها ويستمر في هجرها، دون أن يرى لذلك أثراً؟، أم يطلقها؟، أم
__________
(1) تفسير الفخر الرازي 10/93-94.
(2) البحر المحيط 3/628.

الصفحة 34